جورج سِفتون…صوت أنفيلد وذاكرة ليفربول الحية
اضطر جورج سِفتون في الأسابيع الماضية للتأقلم مع غياب المشجعين عن ملعب أنفيلد التابع لنادي ليفربول الإنكليزي بسبب فيروس كورونا المستجد، مفتقدا ان يصدح صوته معهم احتفالا بلقب الدوري الممتاز لكرة القدم بعد طول انتظار.
خارج أسوار الملعب، لا يعرف الكثيرون إبن الـ74 عاما، وعلى الأرجح لن يورد المشجعون البعيدون اسمه في عداد أسماء الكبار الذين مروا على النادي… لكن أهل ليفربول ورواد أنفيلد يعرفونه…
هو نقطة مشتركة نادرة بين “السير” الاسكتلندي كيني دالغليش، والألماني يورغن كلوب. الأول قاد كمدرب ليفربول الى لقب الدوري الإنكليزي عام 1990. الثاني قام بالمهمة ذاتها في 2020.
بين هذا وذاك، كان سٍفتون حاضرا في أنفيلد، صوتا يصدح منذ عقود في أرجاء الملعب التاريخي، شاهدا على حقبات شملت 12 لقبا في بطولة إنكلترا، وستة ألقاب في أوروبا.
لكن مسيرة سفتون مع ليفربول لم تقتصر على المحطات الاحتفالية فقط، بل شملت المآسي والأحزان، لاسيما لدى وقوع كارثتي ملعبي هيلزبوروه في إنكلترا وهيسل في بروكسل.
نال الرجل السبعيني وظيفة “المذيع” في ملعب ليفربول، بعدما استجمع ما يكفي من الجرأة ليبعث برسالة الى المسؤول في النادي بيتر روبينسون، يحاجج فيها بقدرته على أداء المهمة بشكل أفضل ممن كان يشغل المنصب.
كان 14 آب/أغسطس 1971 يومه الأول في العمل، حاله كحال لاعب شاب يومها، تدرج ليصبح أسطورة من أساطير النادي: الإنكليزي كيفن كيغان.
منذ ذلك الحين، نادرا ما غاب سفتون عن أنفيلد. قبل كل مباراة، تفتح له الأبواب، يتوجه الى مقعده، ويبدأ المهمة: تلاوة أسماء لاعبي الفريقين، “قيادة” المشجعين في مراحل ما قبل انطلاق المباراة، وإعطاء إشارة غناء نشيد الفريق “يول نيفر وولك ألون” (“لن تسير لوحدك أبدا”).
بات جزءا من نسيج النادي الى درجة ان دالغليش قال عنه ذات يوم (خلال ولايته الثانية على رأس الإدارة الفنية) “جورج هو جزء من تاريخ هذا النادي وتقاليده، وسيكون رحيله (عن ليفربول) أكثر أهمية من رحيلي”.
تلقى سفتون هذا التعليق بمزيج من السعادة وعدم التصديق.
ويوضح في اتصال مع وكالة فرانس برس “كنت أتناول العشاء خارج المنزل (لمناسبة عيد ميلاده الخامس والستين) مع زوجتي وابنتي وصهري، وبدأت بتلقي الرسائل النصية بشأن العبارات اللطيفة التي قالها عني دالغليش”.
وشدد على انها “كانت إحدى تلك اللحظات التي لا تصدق”.
ارتادت ابنتا سفتون ودالغليش المدرسة نفسها. أعد الأول كتابا عن تجربته في أنفيلد سينشر في العام المقبل، كتب المدرب السابق مقدمته، بينما كتب الموسيقي الشهير إلفيس كوستيلو كلمات على الغلاف الخلفي.
ويقول سفتون ممازحا “لا داعي لأن أكتب أي كلمة أخرى بينهما”.
– معرفة كلوب… وحسرة هيلزبوروه –
يقر مذيع أنفيلد بأن علاقته كانت أقوى بنجوم الحقبات الماضية، مقارنة بالحقبة الحالية.
على رغم ذلك، يحتفظ بمكانة خاصة في قلبه لكلوب، المدرب الذي تولى مهامه في 2015، وأطلق عملية إعادة بناء شاملة للفريق أوصلته الى استعادة مكانته بين كبار القارة العجوز، وإحراز لقب دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية 2019، والدوري الإنكليزي 2020 بعد غياب 30 عاما.
ويقول سفتون إن كلوب تعرّف إليه سريعا عندما قدم نفسه للمرة الأولى، موضحا “قال لي +أنت صوت أنفيلد+”، مؤكدا انه شعر بنفس ما أحس به عندما تلقى مديح دالغليش قبلها بأعوام.
لكن مسيرة العقود الخمس تقريبا في ليفربول، لم تكن دائما عبارة عن مديح وأفراح ولحظات سعيدة.
بالنسبة الى سفتون، تبقى كارثة هيلزبوروه، يوم لقي 96 مشجعا لليفربول حتفهم جراء تدافع على هامش مباراة ضد نوتنغهام فوريست في نصف نهائي كأس إنكلترا 1989، حاضرة، وليس لأنها طالت النادي فقط.
ويوضح ان نجله روب، البالغ حينها الخامسة عشرة من العمر، “كان هناك (…) كان وصديقه في المقدمة يستندان الى السور (للمدرجات)، وكانا محظوظين بما يكفي لتمكنهما من الخروج عبر بوابة”.
ويشير سفتون الى انه قام على مر الأعوام “بما يمكنني القيام به لمساعدة عائلات ضحايا هيلزبوروه. يقولون لي “أنت شخص جيد لقيامك بهذا الأمر”. لكنني أرد عليهم “لولا رحمة الله، لكنتم تتحدثون الى والد ضحية”.
كما كان سفتون شاهدا في الملعب على كارثة هيسل في العاصمة البلجيكية، قبل انطلاق نهائي مسابقة كأس الأندية الأوروبية البطلة (دوري الأبطال حاليا) بين ليفربول ويوفنتوس، حيث أدى التدافع الى مقتل 39 مشجعا غالبيتهم من جمهور الفريق الإيطالي، وإصابة أكثر من 600 آخرين بجروح.
وعلى رغم ان المباراة انتهت بخسارة ليفربول بهدف نظيف، لكن سفتون يؤكد انها “كانت المرة الوحيدة التي سررت فيها لرؤية ليفربول يخسر”.
في الموسم المقبل، يواجه سفتون احتمال خسارة “لقبه” كمذيع الملعب صاحب سنوات الخدمة الأطول في الدوري، بحال صعود فريق برنتفورد ومذيعه بيتر غيلهام (يتولى مهامه منذ 1969) من الدرجة الأولى الى البريمرليغ.
لكن سفتون يقارب هذه “الخسارة” من منظار مختلف “بيتر غليهام شخص محب (…) يمكننا ان نحتفل معا بمئة عام من الخدمة سويا”.
المصدر: الدار– أف ب