الرأيسلايدر

مسؤولية وإيجابية وتضامن لعل فرحة العيد تكتمل 

بقلم : يونس التايب

من المؤكد أن تدبير بلادنا لجائحة كورونا، بصم على أداء مشرف لبعض القطاعات الحكومية، و كشف غيابا كليا لأخرى كانت طبيعة مهامها تقتضي تواجدها في الصفوف الأولية للمعركة، دعما و تواصلا و تأطيرا، إلا أنها أخلفت الموعد مع الوطن و مع التاريخ.

و لعل من بين أربع أو خمس قطاعات سجلت حضورا إيجابيا شهد به المواطنون و متتبعو تدبير الشأن العام، تميزت وزارة الداخلية في مناسبات عديدة و أظهرت مصالحها يقظة عالية و قدرة كبيرة على متابعة و تدبير مختلف الجوانب المرتبطة بتداعيات الأزمة الوبائية، مع الحرص على التواصل و عدم ترك أي فراغ في التأطير الميداني بمجموع التراب الوطني، و اعتماد أشكال تدبيرية ترتكز على القرب والمواكبة والتفاعلية، والانضباط للقانون في تنفيذ مقتضيات حالة الطوارئ الصحية، سواء أثناء الحجر الصحي أو خلال التنزيل التدريجي لرفعه. وحتى عندما سجلت بعض الحالات القليلة التي استدعت الانتقاد، فإن المتتبعين أقروا بكونها كانت معزولة جدا، واكبتها إجراءات تأديبية صارمة جعلت تلك الحالات، استثناءات تأكد القاعدة العامة للأداء الإيجابي والمسؤول.

ومن الأمثلة التي تلقاها المواطنون بارتياح كبير، ما تم قبل أيام قليلة، في أزيد من 30 عمالة و إقليم، من إجراءات استهدفت بصرامة أزيد من 500 شركة ومؤسسة خاصة لم تحترم إجراءات الوقاية ضد الفيروس، و لم توفر الحماية لمستخدميها ضد الإصابة بالعدوى، و غامرت بخطر نشوء بؤر وبائية مهنية تهدد سلامة المواطنين بشكل عام.

أما آخر الأمثلة هو ما أعلنت عنه وزارة الداخلية، يوم الجمعة، من تدابير خاصة لتنظيم عملية ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى، بغرض منع تفشي العدوى و ضمان الظروف الملائمة ليمر العيد في التزام تام بالتدابير الصحية والوقائية المعتمدة.

في هذا الصدد، أوضح بلاغ صادر عن وزارة الداخلية أن هذه الأخيرة ستسلم عبر السلطات المحلية، للجزارين المهنيين وللأشخاص الموسميين المزاولين لعملية الذبح بمناسبة العيد، رخصا تؤهلهم لممارسة هذه الشعيرة الدينية. و أن هؤلاء سيخضعون لاختبارات الكشف عن فيروس كوفيد 19، بتنسيق مع مصالح الصحة العمومية، و سيتم تزويدهم بالأدوات والمواد الكفيلة بضمان احترام الإجراءات الوقائية المعمول بها، من كمامات و أقنعة واقية، ومواد مضادة للفيروسات، و محاليل معقمة. وحتى تحقق هذه العملية كامل أهدافها، دعت الوزارة المواطنين إلى التعامل بشكل حصري مع الحاملين لرخص السلطات المحلية، وعدم اللجوء إلى أي شخص غير متوفر عليها، حفاظا على صحتهم وسلامتهم من خطر العدوى.

بكل تأكيد، إن اعتماد هذه الإجراءات، خلال أسبوع واحد، من طرف وزارة الداخلية، بغرض تدبير ملفين ثقيلين ومحفوفين بتبعات كثيرة و حساسة، كان موفقا للغاية و جدد التأكيد على الاستباقية و التفاعلية و المسؤولية التي ميزت هذا القطاع. وهي ركائز ثلاثة لحكامة جيدة يجب أن نذكرها بتقدير، وعلى المواطنين أن يلتقطوا الإشارة و المغزى منها، و أن يتعاطوا معها بإيجابية كبيرة حتى تنجح هذه الدينامية التدبيرية، وحتى يتمدد هذا الأسلوب الصارم، وحتى تستمر هذه الروح الإيجابية المسؤولة.

و في نفس منطق التعاطي الإيجابي، أعتقد أن سياق العيد، هذه السنة، يستلزم أن نقارب موضوع الحديث عن الأضحية بشكل أكبر و أشمل، عبر تذكير الناس بقاعدة شرعية واضحة هي أن هذا النسك المبارك العظيم، الذي نحتفل به كل عام تأسيا بالسنة الإبراهيمية، يمكن من الناحية الشرعية تعطيل إحياءه من طرف الإمام، إذا تبين وجود ما يعرض الإنسان لخطر مؤكد على سلامته، من منطلق أن حفظ النفس سابق على كل شيء في ديننا الحنيف. وبالتالي، على الناس أن يعتبروا أن إحياء شعيرة عيد الأضحى في الظروف الراهنة، هو بدون شك دليل ثقة و مراهنة على روح المسؤولية لدى المواطنين، و اطمئنان إلى أنه سيكون واضحا في أذهان الجميع، أن ذبح الأضحية لن يقدم عليه إلا من استوفى كافة شروط الوقاية الصحية من خطر الوباء، و ضمن الالتزام التام لكل أفراد أسرته وجيرانه، بالإجراءات الاحترازية الوقائية من الفيروس.

كما يستلزم نفس السياق الاستثنائي، اعتبار الأزمة الاجتماعية التي سقطت في شباكها أسر كثيرة، مناسبة تفرض أخلاقيا التفكير في كيف نجتهد، هذه السنة أكثر من سابقاتها، في جعل مناسبة عيد الأضحى المبارك فرصة لتدوير مالي مهم يحقق أعلى عائد اقتصادي، و أقوى عائد اجتماعي و إنساني، في نفس الوقت.

أما العائد الاقتصادي، و هو مهم للغاية، عليه أن يكون موجها لفائدة الفلاحين، خاصة الصغار منهم، الذين هم في حاجة إلى بيع ماشية تعبوا في تربيتها و أنفقوا كثيرا في إعدادها لهذه المناسبة، خصوصا بعد معاناتهم من فترة الحجر الصحي التي تراجع فيها الدخل بسبب ضعف الدورة الإنتاجية، و المعاناة من أثر جفاف قلص مدخولهم بشكل كبير هذا الموسم.

وأما العائد الاجتماعي و الإنساني، و هو لا يقل أهمية عن سابقه، فيجب أن يكون موجها لفائدة الأسر الفقيرة، والأسر التي تعيش وضعية هشاشة مرحلية بعد توقف مصدر رزق معيلها إثر توقف نشاطه في القطاع المهيكل، أو القطاع غير المهيكل، بسبب الجائحة الوبائية.

ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى عملية تضامنية تلقائية يكون شعارها “تقاسم أضحية العيد، أو تقاسم كلفتها مع أسر محتاجة”. بمعنى، أن يقوم كل من يستطيع تأدية هذا النسك العظيم، بتقاسم الجزء الأكبر من أضحية العيد مع أسرة فقيرة، بعد ذبح الأضحية باحترام للإجراءات الوقائية التي تناولها البلاغ المشار إليه أعلاه. أو أن يقوم المرء، بحسب الاستطاعة و القدرة، بتوجيه المبلغ النقدي المخصص لشراء الأضحية، لفائدة أسرتين أو ثلاثة أسر في وضعية هشاشة، أو في ضائقة مالية بسبب فقدان المعيل لعمله.

بذلك ستفرح تلك الأسر بأضحية لم تكن لتتاح لولا هذا التضامن الشعبي الذي تستوجبه قيم هويتنا الأصيلة، والذي يتماشى مع أخلاق تامغربيت القائمة على التآزر في السراء والضراء. وهي نفس الفرحة التي ستحصل إذا ما قررت تلك الأسر توجيه المبلغ المحصل عليه لتغطية ضروريات أخرى كمصاريف دواء أو كراء أو غيره.

بدون شك أنتجت أزمة كورونا مواقف استثنائية و دروسا و عبرا كثيرة، لمن أراد تحقيق الإفادة منها. و لا شك، أيضا، أن من وحي تلك الدروس و العبر ظهرت روح إيجابية، كهاته التي برزت في سلوكات سلطات عمومية مسؤولة، و في تعاطي مواطنين لا زالوا متشبثين بأن لا تغيب عن واقعنا قيم الخير و الإحسان، و متمسكون بأشياء جميلة كثيرة تعطي للحياة معنى.

وأجزم أنها هي نفس الروح التي علينا إشاعتها حتى تنتشر الرحمة في القلوب، و تهدأ الأنفس من روع ما ألم بها من قلق بسبب هذه الأزمة. و الأكيد، بعد ذلك كله، أن بشارة فضل عميم سيشمل الذي سيعطي من أضحيته أو من قيمتها، وسيشمل الذي سيأخذ، و سيشمل وطنا لا زال فيه من يؤدون مسؤولياتهم الوطنية بأمانة و حكمة و تميز.

زر الذهاب إلى الأعلى