باحث جامعي: هكذا تصدّى الأشاعرة لموجة تكفير الناس
الدار/ المحجوب داسع
تطرق الدكتور جمال علال البختي، رئيس مركز أبي الحسن الأشعري، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، في مداخلة خلال أشغال الدورة الثانية في العلوم الاسلامية المنعقدة بتطوان، الى معاقد التسامح العقدي وترك التكفير عند الأشاعرة".
وتوقف المتحدث مقاربة الأشاعرة الكلامية لجدلية الإيمان والكفر، مبتدئا باستهلال وصف فيه ما كان للعامل السياسي ـ زمن الفتنة الكبرى ـ من يد طولى في زرع بذور التكفير بين المسلمين، وهو الاجتيال العقدي الذي باء به الخوارج على علي رضي الله عنه وانحرفوا به عن طرُق تدبير الاختلافات السياسية التي كانت في زمن الخلفاء الثلاثة الأوّل التي امتازت بالبعد عن إصباغها بالصبغة الدينية ووسْمها بالأحكام العقدية.
وأشار جمال علال البختي الى أنه لم يكن لأهل السنة بدٌّ من مواجهة هذا الغلو في الدين والانحراف في الحكم على المسلمين وتصنيف معتقداتهم؛ حيث انبرى الأشعري وأتباعُ مدرسته ـ على غرار أسلافهم من أهل السنة ـ لمقارعة هذا الخلل في فهم العقيدة ورفع الخلط بين المنازعات السياسية والمفاتشات العلمية في تحديد أسماء الإيمان والكفر وتعيين أحكامها، فكان أن أجمع علماء المذهب على انتفاء سبل إكفار أحد من أهل القبلة بذنب خلافا للخوارج في تكفيرهم لمرتكبي الكبيرة أو المعتزلة في سحب صفة الإيمان عنهم والقول بتخليدهم في النار، وقد قعدوا لتقرير هذا الحكم جملة من القواعد الكلامية تقوم على التدقيق في حد مفاهيم: "الإسلام" و"الإيمان" و"الكفر" و"الفسق" و"المعصية" و"الكبيرة" و"التوبة" وطفقوا على شبهات الخصوم من المكفرة والمعتزلة ومقولاتهم بالتفكيك والتحليل وبيان وجوه التغليط والتضليل المطوية فيها".
بعد ذلك، عرّج الأستاذ المحاضر، على موضوع تكفير المقلدة في العقائد ـ والذي يتناوله البعض شبهةً في اتهام الأشاعرة بالضلوع في تكفير عوام المسلمين من جهة إيجاب النظر لمعرفة الله على جميع المكلفين ـ موضحا ما قرره جمهور الأشاعرة والتزموه في هذه المسألة من الإقرار بإيمان العوام والمنع من الشك فيه.
وفي هذا الصدد، وقف جمال علال البختي، على الفتنة الشهيرة بفتنة ابن أبي محلي، التي وقعت في المغرب في القرن الحادي عشر الهجري، والتي أثارها تكفير ابن أبي محلي لعوام المسلمين وطلبة عصره لجهلهم بذات الله وصفاته وعجزهم عن تقرير العقائد والاستدلال عليها، وهي الفتنة التي تصدى لها جلة من كبار علماء المغرب في مقدمتهم مبارك العنبري، وأبو سالم العياشي، والحسن اليوسي، وأبو عبد الله محمد المغراوي شقرون.
وتطرق المتحدث ذاته إلى " كتب اعتبرها "نفيسة"، عزز بها موقف الأشاعرة المتسامح في تصحيح إيمان العوام، معللا القول بوجوب النظر عند عدد من نظار المذهب بالبعد التعليمي، الذي يهدف إلى استنهاض العامة على فهم الدين، والعقائد وحثهم على طلب الأدلة الإجمالية لتحصين معتقادتهم، والدفاع عنها ضد الانحرافات والخرافات.
واختتم الدكتور مداخلته بالتنبيه إلى ما سماه بـ"التكفير النسقي"، الذي يمكن أن نجده عند بعض المتكلمين، وعرّفه بكونه تكفيرا عقلانيا مجردا صادرا عن نسقية صارمة من المسلمات والبديهيات يصدر عنها أتباع كل مذهب و"يكفر" بها الخصوم، لذلك لا ينبغي توظيف التكفير النسقي توظيفا سياسيا أو فقهيا، لأنه مغاير للكفر من جهة اعتباره حكما شرعيا".