الدار/ رضا النهري:
“حدث صوت مدو لم أعرف كنهه.. بعد فترة وجيزة رماني الهواء بقوة في مكان ما ثم فقدت وعيي، بعد ذلك نهضت بصعوبة ولم أصدق ما أرى.. كان كل ما حوالي أنقاض وموت ودمار”.
هذه الشهادة لم يقدمها شخص لبناني ممن عاشوا لحظات الانفجار العظيم في مرفأ بيروت، بل ترويها سيدة يابانية عجوز عاشت اللحظات المهولة للتفجير النووي نهاية الحرب العالمية الثانية حين قصفت أمريكا مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالأسلحة النووية.
لكن المثير في كل هذا هو أن شهادة المرأة اليابانية تصلح تماما لكي يرويها شخص لبناني، فالتفجير يكاد يكون متطابقا، رغم الفارق في أعداد الضحايا، والدمار مذهل، والجثث مقطعة الأوصال في كل مكان، والناس لم يستفيقوا من الصدمة حتى الآن.
المثير أيضا أن انفجار بيروت جاء متزامنا مع الذكرى السنوية لتفجيرات هيروشيما وناغازاكي، لكنه لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، تمر ذكرى تفجيرات اليابان بشكل محتشم في وسائل الإعلام العالمية ووسائط التواصل الاجتماعي، بينما تسيّد انفجار بيروت المشهد بكامله، لأن الناس عاشوا خلال التفجير لحظات جد واقعية تشبه إلى حد كبير انفجار نوويا.
ومثلما يقولون إن القصف النووي لليابان غيّر اليابان، وغير العالم أيضا، ولو بشكل أقل، فكذلك يقال الآن عن لبنان، الذي لن يكون أبدا لبنان ما قبل التفجيرات، وسيكون مختلفا في أشياء كثيرة، لأن الصدمة كانت أكبر من المتوقع، والمجتمع مصدوم إلى حد يجعل من لبنان أمام مفترق طرق حقيقي سيرسم مستقبله بشكل حاسم.
مر لبنان بكثير من النكبات، كانت في أغلبها نكبات ناتجة عن الحروب الخارجية أو الداخلية، ولا أحد ينسى الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما، واستطاع لبنان أن ينهض بعدها، لكن ما حدث حاليا يبدو أسوا بكثير من الحرب الأهلية ومن كل الحروب التي عاشها هذا البلد الصغير، سواء بين أهله أو مع أعدائه.
لبنان اليوم أمام اختيارين لا ثالث لهما، فإما أن يغرق أكثر في أزمته الاقتصادية والسياسية وتناحراته الداخلية، أو ينهض مثل فينق لكي يتحول إلى عملاق اقتصادي ويحرق أيدي كل الذين يتلاعبون بمصيره ومستقبله.