الدين والحياة

المرشدات الدينيات.. “سلاح” محمد السادس الناعم ضد التطرف والغلو

ترجمة: المحجوب داسع، بتصرف

منذ وقت طويل، أسرت امرأة بسر رهيب إلى زينب هيدرا. زوجها، كما تقول، كان مدمنا على الكحول، مما جعله ينفق أموال الأسرة الصغيرة على اقتناء الخمور. كان يشبعها ضربا عندما يكون في حالة سكر، كما أشبع الأبناء أيضا الضرب في يوم من الأيام. تحس بالخوف من أن تؤول الأمور إلى الأسوأ.

كانت هيدرا تسيغ السمع للمرأة، بهدوء، لكن عندما تكلمت نطقت بما يشبه إدانة لزوج السيدة. "أخبرتها بأنه يتعين عليها محاولة الحصول على مساعدة"، وبأن عليها التطليق منه في حالة اصراراه على المضي في سلوكاته".

زينب هيدرا، واحدة من النساء، اللواتي كونتهن الحكومة المغربية كمرشدات دينيات. خبيرات في مجال الشريعة الاسلامية، مسلحات بقوة، ومعرفة عميقة بالقرآن، بشكل يسمح لهن بتعزيز حقوق المرأة والدفاع عنها.

تشتغل هيدرا في مسجد بحي عين الشق، أحد أحياء مدينة الدار البيضاء المزدحمة، أكبر مدن المغرب. يقتصر مجال اشتغالها على النساء. داخل غرفة أشبه بمستطيل فوق قاعة المسجد المخصصة للرجال، تجلس عدد من النساء بمعية زينب على زربية بالية، فيما نافذة مفتوحة في اتجاه القبلة، التي تعني اتجاه مكة المكرمة، أقدس مدينة في الإسلام.

حصلت هيدرا، على دكتوراه في الدراسات الإسلامية. وعلى الرغم من أن القرآن يحرم النساء من الإمامة في الصلاة، فإنها تتحمل مسؤولية شبيهة بمسؤوليات أئمة المساجد: فهي تعلم الدروس وتقدم المشورة، والنصح، وتواسي المرضى والمفجعين.

وباعتبارها مرشدة دينية، فإن وظيفتها تكمن في تعزيز وحماية حقوق الإناث، من خلال تعليمهن في المقام الأول، ما يعنيه وضع المرأة، ولكن أيضا بتثقيفهن حول الرعاية الصحية والحقوق القانونية، ومواضيع أخرى تستأثر باهتمام النساء.

من جانبها، تقول المرشدة الدينية، فاطمة آيت سعيد، 33 عاما، التي تعمل في مسجد مكة بالرباط: "في هذه المهمة أنت ملزم بمعايشة مشاكل النساء"، مضيفة " انها ليست مهنة بسيطة لكسب المال فقط، بل هي مهمة أيضا".

أطلق برنامج تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، كمحاولة من الدولة المغربية لمحاربة التطرف. في عام 2003، فجر أربعة عشر انتحاريا، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 23 عاما، وينحدرون من حي سيدي مؤمن، الصفيحي شمال غرب الدار البيضاء، أنفسهم في عدة مواقع بالدار البيضاء، من ضمنها مطعم إسباني، والمقبرة اليهودية، في هجوم خلف مقتل 33 مدنيا.

وفي بلد، لطالما افتخر على الدوام بتأويله وقراءته المعتدلة للدين الإسلامي، أطلق الملك محمد السادس، برنامج تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، بغية محاربة التطرف، وتصحيح قراءة النص الديني، يما يتناغم من الرواية الرسمية للشأن الديني في البلاد.

البرنامج جاء أيضا في إطار توافق وانسجام، مع موجة الإصلاحات التي تهدف إلى تحسين وضعية المرأة المغربية التي أطلقها الملك محمد السادس. ففي ذات السنة، التي شهدت هجمات الدار البيضاء، دعا الملك محمد السادس، عالمة مغربية إلى تقديم درس حسني خلال شهر رمضان، في سابقة هي الأولى من نوعها، التي يُسمح فيها للمرأة بإلقاء درس ديني.

في عام 2004، قامت الحكومة بمراجعة قانون الأسرة، مع تحديد الحد الأدنى لسن الزواج في18 عامًا، وإعطاء المرأة الحق في الطلاق، والسلطة القانونية لتوقيع عقود الزواج الخاصة بها، بدلاً من مطالبة الوصي الذكر بذلك، كما قام الملك محمد السادس بتعيين نساء في المجلس العلمي الاعلى، أعلى مجلس ديني في البلاد.

في سنة 2005، تم إطلاق ول فوج لبرنامج تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات في العاصمة الرباط. تم انتقاء 50 امرأة و100 رجل بدقة وفق شروط، من ضمنها الحصول على الإجازة، وحفظ نصف القرآن بالنسبة للنساء، والقرآن كاملا بالنسبة للذكور.

بمجرد التحاقهم بالمعهد، يدرس هؤلاء المرشدين والمرشدات، علوم الشريعة، والقانون، وكذا الفلسفة والتاريخ والأديان المقارنة وعلم النفس، على أن تضمن الحكومة ادماج هؤلاء الخريجين في مساجد البلاد، مباشرة بعد تخرجهم.

منذ إطلاقه، تضاعف عدد الأشخاص المقبلين على البرنامج، كما انتقل مقر المعهد إلى حي العرفان، الحرم الجامعي بالرباط. مع مرور السنوات، استطاع البرنامج، جذب الطلاب من أفريقيا وأجزاء من أوروبا، حيث تقدم لمباراته هذه السنة، ما يقرب من 2000 شخص، نصفهم من النساء، للتنافس على 250 مقعدا.

يقول عبد السلام الأزعر، مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، "في كل عام، ينقطع اثنان أو ثلاثة ذكور لكن النساء يظهرن جدية أكثر".

هذه الجدية تظهر من خلال الحصص الزوالية، حيث تقبل الإناث القادمات من بلدان أجنبية، لاسيما من افريقيا، وفرنسا ودول أخرى، على حفظ القرآن الكريم، وتعلم اللغة العربية.

داخل قاعة بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة، تجلس الطالبة المرشدة، سهام بوطيبي، المزدادة في ليل من أبوين هاجرا الى فرنسا. تركز باهتمام ملفت على القراءة وحفظ القرآن.

تقول سهام "كنت أرغب دائماً في أن أكون أستاذة، لكن في فرنسا، هناك تمييز ضد مرتديات الحجاب"، مشيرة إلى أنه طالبوا منها تغيير حجابها في فرنسا اذا رغبت في امتهان مهنة التدريس، لكن هنا في المغرب الأمر مثير للغاية، ويحترمون خيارك،  وأحس بأني سأضطلع بمهمة تعليم الأجيال".

وباعتبارهن سفيرات في مرحلة التكوين على الإسلام المعتدل، تعتقد سهام وزميلاتها في المعهد أن الإسلام يحتضن التعايش السلمي بين الأديان، بدلاً من الهيمنة على ما يسمى بالكفار، وتعتبر الجهاد كصراع روحي داخلي أكثر من كونه حربا ضد غير المؤمنين.

تتلقى المرشدات الدينيات، أيضا، دروسا في أن الاسلام نفسه ليس فيه تمييز ضد المرأة، وأن أي اختلافات نابعة من الأدوار الاجتماعية التي زرعتها التقاليد في المجتمع.
تقول بوطيبي: "نحن متساوون في الإسلام"، وهي تنهي حصة تلاوة القرآن، وتجمع كتبها للتوجه إلى صالة الألعاب الرياضية في المعهد، حيث يمكن للإناث استخدامها لمدة ساعة واحدة فقط، ابتداءً من الساعة 4:30 مساءً.

ترى الطبيبة والباحثة، أسماء لمرابط، أن حصة التمارين الرياضية المحدودة في المعهد والمخصصة للإناث، دليل على أن المعهد بنفسه ليس متكافئًا، كما أن الاناث لازلن يجلسن في مؤخرات الصفوف، وعندما تتخرجن لا يمكن لأي أحدهن أن تصبحن أئمة"، مشيرة الى أن المعهد لازال يعيد انتاج "الثقافة الذكورية"، فيما تؤكد الدكتورة آن ماري وينسكوت، الباحثة في العلوم السياسية في جامعة ميامي بأمريكا، أن مسألة المساواة غير مطروحة في برنامج تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات".

وتضيف المتحدثة ذاتها، أن التكوين أصبح جيدًا، ويتيح للخريجات والخريجين استقرارا مهنيا، وبهذا المعنى، فهو يحسن من وضعية النساء في المجتمع"، مبرزة أن اطلاق برنامج تكوين المرشدات الدينيات، يعد إحدى الخطوات الاستراتيجية الأولى من جانب الحكومة المغربية لإيصال المعرفة الدينية لعموم الناس، وليس له علاقة في الواقع بتمكين النساء".

نعود إلى مسجد مكة بالرباط، حيث تتولى المرشدة فاطمة آيت سعيد، مهمة الارشاد الديني، لتجيب لنا عن سؤال حول قابليتها لأن تصبح إماما. "لا يوجد أي مثال في القرآن على امامة النساء للناس في الصلاة، فالأمر أشبه بسؤال إذا كنت أريد أن أذهب إلى المريخ".

منح هذا التكوين فاطمة آيت سعيد، ثقة كبيرة في النفس. الطالبة السابقة في شعبة الاقتصاد، وأم لطفلين، لازالت تفكر في العودة إلى متابعة دراستها في الاقتصاد رغم انشغالاتها كمرشدة دينية. 

تعلم المرشدات الدينيات أن وظيفتهن لاتهم فقط تحسين وضعية المرأة، بل الأمر نابع من كون التطرف لازال يتفاقم في البلاد، التي غادرها حوالي 1600 مغربي، إلى القتال في بؤر التوتر في سوريا والعراق الى جانب ما يسمى بـ "دولة الخلافة" "داعش".

في إحدى مدارس الدار البيضاء التي تدرّس فيها، المرشدة الدينية، زينب هيدرا، نجحت هذه الأخيرة في إقناع الشباب الذين جنحوا نحو التطرف، في التخلي عن أفكارهم المتطرفة، كما تبحث باستمرار، داخل عملها في المسجد، عن نصوص "متطرفة" قد تكون النساء أحضرنها خلال موسم الحج من المملكة العربية السعودية. وبهذا المعنى، تعد زينب، ومرشدات دينيات أخريات، أول المتصديات لخطاب التطرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى