مركز صنوان بطنجة .. فرصة للأطفال الصم للتعلم والاندماج
يحرص أسامة على متابعة تفاصل حركة أستاذته التي تجتهد في ترجمة درس اللغة العربية إلى لغة الإشارة لمجموعة من تلاميذ القسم الثالث إعدادي بمركز “صنوان” لتربية وتعليم وتأهيل الصم، التابع لجمعية “التواصل” للصم بطنجة.
قادما من هامش المجتمع، لم تمنع إعاقة الكلام والسمع الفتى أسامة، ذي 18 ربيعا، من المثابرة منذ ولوجه المركز عام 2008 في سبيل الاندماج في الحياة العامة، مستفيدا من الدروس التي تلقاها لتعلم لغة الإشارة والإلمام من خلالها بالقراءة والكتابة والدراسة وفق المنهاج التربوي المعتمد من قطاع للتربية الوطنية.
سنوات من التحصيل الدؤوب يلخصها أسامة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بقوله أنه تعلم خلالها لغة الإشارة في مركز صنوان بفضل تفاني الأساتذة، مضيفا “قد أقول الآن أنني أعيش حياتي في المجتمع تقريبا كشخص عادي”.
أسامة واحد من حوالي 90 تلميذا هذا الموسم الدراسي، فرقت بينهم الحكايات والأماكن، وجمعت بينهم إعاقة الصم، التي جعل منها مركز “صنوان” محورا لاشتغاله في مجال التربية غير النظامية لتأهيل هذه الشريحة من الأطفال لمواجهة صخب الحياة وهدير المجتمع.
في العام السادس من عمره، التحق أسامة بمركز “صنوان” وهو طفل محروم من القدرة على السمع، بعد أن سدت في وجهه أبواب التعليم النظامي، شرع في تعلم إشارات تساعده على التواصل مع أقرانه وأساتذته.
وتوضح المؤطرة فوزية الزاير أن بيداغوجية التدريس بالمركز ترتكز أولا على تعليم الأطفال الصم أبجديات لغة الإشارة، ثم بعد ذلك تلقين الدروس المعتمدة في المناهج الرسمية لوزارة التربية الوطنية، والتي يترجمها الأساتذة إلى لغة الإشارة بكيفية سهلة وسلسلة.
من جانبها، تؤكد هناء الحساني، مديرة مركز صنوان، أن تنزيل هذه البيداغوجية ملقى على عاتق طاقم تربوي متخصص مكون من 11 إطارا، 6 من بينهم محلفون في لغة الإشارة، موضحة ان عدد التلاميذ الإجمالي بالمركز هذا العام يناهز 90 تلميذا، يتابعون تعليمهم بكافة المستويات الدراسية من التعليم الأولي إلى غاية الثالثة إعدادي.
ولم تمنع الظروف الاستثنائية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد التلاميذ من الالتحاق بالفصول الدراسية، فقد وضع المركز مخطط عمل يستجيب للدليل العملي لمواكبة الرفع التدريجي للحجر الصحي، كما تم تشكيل لجنة مكونة من مسؤولي وطبيبة المركز للإشراف على تنزيل التدابير الوقائية من قبيل عمليات التطهير والتعقيم اليومي واستقبال المرتفقين وفق شروط السلامة والتباعد الجسدي، ووضع علامات التشوير وتوفير الكمامات الشفافة والأقنعة البلاستيكية وقياس درجة الحرارة.
وبعد أن أشارت إلى أن عدد التلاميذ تراجع من 120 تلميذا العام الماضي إلى 90 خلال الموسم الحالي بسبب مخاوف بعض العائلات من تداعيات جائحة كورونا، ذكرت هناء الحساني بأن الإدارة اعتمدت خيار التعليم بالتناوب والمزج بين التعليم الحضوري والتعلم الذاتي المؤطر، من خلال تفويج التلاميذ على مجموعتين “أ” و “ب” لحصر عدد الحاضرين في الحجرة في 7 تلاميذ على أقصى تقدير.
ولا يكتفي المركز بتقديم الدروس البيداغوجية الجافة للتلاميذ، بل يعمل على تأهيلهم للمستقبل، من خلال ورشات عملية في المسرح والشطرنج والرسم والتشكيل والخياطة والطبخ، والورشتين الأخيرتين تؤطرانهما أمهات تلاميذ المركز، واللواتي استفدن بدورهن من دروس لغة الإشارة لتعزيز تواصلهن مع فلذات أكبادهن.
هي فلسفة إدماج شاملة، أو تكاد، وفق ما يؤكد رئيس جمعية “التواصل”، الأمين البقالي، الذي أشار إلى أن المركز ومنذ تأسيسه قبل 13 سنة يعمل على رعاية الأطفال الصم تربية وتعليما وتأهيلا، موضحا أن التربية تقوم على المبادئ الوطنية والإسلامية والأخلاق الفاضلة، والتعليم يتم وفق مناهج قطاع التربية الوطنية من التعليم الأولي إلى الإعدادي، والتأهيل عبر ورشات عملية تضمن انفتاح الصم على المجتمع وجعلهم أشخاصا فاعلين ومنتجين.
وتأمل جمعية التواصل للصم في أن تتمكن مستقبلا من فتح أقسام التعليم الثانوي لتمكين التلاميذ من مواصلة التحصيل الدراسي واجتياز امتحان البكالوريا كمترشحين أحرار، أو الاندماج في مسارات تكوينية أخرى تفتح لهم آفاقا مهنية جديدة.
إشكالية الإدماج الدراسي ضمن منظومة التربية الدامجة في التعليم النظامي والدفاع عن حق التلاميذ الصم في تعليم وامتحانات مكيفة دفع بمسؤولي الجمعية إلى الانخراط في شراكات مع جمعيات تعنى بقضايا الاعاقة لرفع قدرات اعضائها على الترافع دفاعا عن حق الصم في حياة على قدم المساواة مع الأصحاء.
المصدر: الدار- وم ع