عبادي: المذاهب الفقهية جسرت بين النص والواقع وحصرت تشعب الخلاف
الدار/ اعداد : المحجوب داسع
أعاد الحادث الإرهابي بمنطقة "إمليل" ضواحي مدينة مراكش، إلى الواجهة من جديد، النقاش حول المداخل الكفيلة باجثات منابع التطرف العنيف، ومحاربة قوى الظلامية والغلو، التي تحرف الدين الإسلامي عن مقاصده السامية المحققة للسلم والوئام.
وفي محاولة من موقع "الدار" لمقاربة ظاهرة التطرف العنيف، ومختلف المقاربات العلمية المسعفة على تفكيك خطاب التيارات المتطرفة، يقدم الموقع كل يوم جمعة، قراءة في دفاتر، سلسلة "الإسلام والسياق المعاصر": دفاتر تفكيك خطاب التطرف"، التي أصدرتها وحدة تفكيك خطاب التطرف، بالرابطة المحمدية للعلماء.
وضمن هذه السلسلة، اخترنا لقراء موقع "الدار"، كتاب "أهمية المذهبية الفقهية وأثر اللامذهبية على واقعنا المعاصر"، لمؤلفه الدكتور، أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الذي يحاول فيه الكاتب الوقوف عند مراحل تطور المذاهب الفقهية، وخصائها، وكذا واختلافاتها بين الفروع الفقهية، وأصول الفقه، ومقاصد الشريعة، في أفق بيان الفروق بين التمذهب واللامذهبية، مبينا أهمية المذهبية الفقهية في تطبيقات الواقع المعيش، وأخطار وانعكاسات اللامذهبية في سياقنا المعاصر.
الحلقة الأولى
في مستهل هذا الكتاب، حاول المؤلف تسليط الضوء على مراحل تطور المذاهب السنية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم، الى اتساع رقعة الاسلام، ودخول غير العرب الى الاسلام، وما نتج عن ذلك من اختلاف اتسعت رقعته مع الزمن، فأخذ الأمر يتطور الى ما يخاف من عواقبه، وكيف اضطر الناس الى الاجتماع على فهم موحد، وأصول مشتركة.
وتكشف الظروف التي نشأت فيها المذاهب الفقهية، والدور الذي اضطلعت به، لحصر تشعب الخلاف، واسترسال الأقاويل دون طرق وقواعد، فكان لها الفضل في هذا الباب.
ونشات المذاهب الفقهية، للحيثيات والضرورات نفسها التي نشأت لها سائر العلوم الشرعية، وتزامنت مع عهد التدوين الشامل للعلوم.
وهكذا تأسست المذاهب تباعا: مذهب أبي حنيفة ثم مالك ثم الشافعي ثم احمد، رضي الله عنهم أجمعين. وهو سياق التدوين والتنظيم، والتبلور المكتمل لمؤسسات المجتمع الاسلامي، التي ستبقى سمة ثابتة له، وأسلوبا متعارفا عليه، لايعرف للدين وجود خارج رسومه، الا لدى من يبتغي عالما فوضويا أو عبثيا.
وتتميز المذاهب الفقهية بكونها قد وشجت دوما، بين الاحكام وبين الأبعاد الاجتماعية، و الحارقة التي قضت مضاجع الناس، وجلت معرفة منهجية وظيفية، بهذا الصدد، وذلك من خلال مدارسها.
وخلص الدكتور عبادي في المبحث الأول من هذا الدفتر، الى أن " مذاهب فقهنا الإسلامي المباركة، عبارة عن مدارس لاستنطاق الوحي الخاتم؛ كمالِ الدينِ وتمامِ النعمة، والاستمداد منه لما ينفع الناس في العاجل والآجل، وهي مدارس ارتفعت صروحها بفعل الكدح المستدام، لأئمتنا الأعلام، بغية بلوغ المرام، ورفع الملام، فتجوهرت في هذه البنى الوضيئة، جملة من الأصول والقواعد، والآليات، والمصطلحات، والمفاتيح، والمهارات، والخبرات، مؤطَّرةً بكُلِّيات ومقاصد، مرفودةً بمجامعَ ومساند، وآخذةً بعين الاعتبار وقائعَ ومشاهد، مُجَسِّرَةً بين الأحكام وسياقات تنزيلها، وبين عِلَلِ الأحكام ومآلاتها، مما خلَّف لنا هذا المعمار المنهاجي الوظيفي المنير، الذي رام جهلا، أصحاب الفكرِ المبير، هدمه في ذهول عن كونه الدّرجَ الموصلَ إلى مرقاة الاتصال، والمعيارَ المخلِّصَ من الإصر والأغلال، ومن الزيغ والاختلال، هداية للأمة، وإشاعة للرحمة".