البيجيدي يزايد في ملف الريف للتغطية على تجاهل التطبيع
الدار / افتتاحية
يبدو أن حزب العدالة والتنمية يمر اليوم بأسوأ الاختبارات التي قد تعصف بتماسكه الداخلي. فأشغال المجلس الوطني للحزب التي تم اختتامها اليوم أفرزت حالة من الحرج بين نشطاء ومناضلي وهياكل الحزب بعد أن لجأت القيادة إلى معالجة بعض القضايا بمنهجية “كم حاجة قضيناها بتركها” ومحاولة اتخاذ مواقف منبرية أخرى لتغطية معالم الغضب الداخلي من مواقف الحزب. ويأتي على رأس القضايا المتجاهلة التي تحرج الحزب قضية استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية والتي راوغها بيان المجلس الوطني للحزب بالاكتفاء بإثارة قضية دعم القضية الفلسطينية ومعارضة ما سمي بـ”صفقة القرن”.
هذا الحرج، الذي رأى فيه البعض قمعا للأصوات المعارضة داخل الحزب، تحاول القيادة تجاوزه بإثارة قضايا ومواقف غير مسبوقة في توقيت غير مفهوم محاولة ردم الفجوة بينها وبين القواعد، بعد أن ابتلعت القيادات ألسنها ولم توضح موقفها صراحة من قضية التطبيع مع إسرائيل. هذه الفجوة يتم ملأها من خلال بيان المجلس الوطني بلهجة معارضة تصعيدية تجاه الحكومة والدولة بخصوص قضية المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية، وبعض الصحافيين المعتقلين، في إشارة واضحة إلى ملف معتقلي الريف.
فقد دعا البيان إلى “إطلاق مبادرة سياسية لمزيد من تعزيز مناخ الثقة وتوفير الأجواء المناسبة لبث نفس سياسي وحقوقي جديد يرمي إلى إيجاد الصيغة المناسبة لإطلاق سراح المحكومين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية والصحافيين المعتقلين”. كما أدان هذا الموقف الذي يبدو خارج السياق ما أسماه “حملات التشهير والمس بالحياة الخاصة للأفراد واستهداف شخصيات عمومية ومناضلين سياسيين وحقوقيين، في انتهاك واضح للحريات الفردية ومس فج بحقوق الأفراد ومعطياتهم الخاصة”.
ويبدو أن قيادة الحزب قدمت نوعا من التنازلات من أجل بلورة هذا الموقف وقبول صدوره في توقيت انتخابي كهذا الذي تمر به الحياة السياسية، من أجل ملأ الفضاء السياسي بمواقف شعبوية معارضة، خصوصا بعد التناقض الصريح الذي وقع فيه الحزب بخصوص موقفه من إسرائيل، بين المشاركة رسميا في تبني وعودة استئناف العلاقات وبين التصريحات النارية السابقة التي كان يطلقها قياديوه بشأن الدولة العبرية والعلاقات معها. ويظهر هذا البيان من جديد جانبا من نوعية التواصل السياسي الذي يتقنه الحزب الإسلامي، الذي اعتاد ممارسة الابتزاز السياسي تجاه الدولة، كلما اقتربت مواعيد الانتخابات، مع دغدغة المشاعر الشعبية ومحاولة التزلف إليها للحفاظ على روابط الود التي سيتم توظيفها في الاستحقاقات المقبلة.
وعلى الرغم من أن هذا البيان لن يكون له أي أثر على القرارات التي سيتخذها وزراء الحزب في الحكومة إلا أنه يعتبر مهما بالنسبة له، نظرا لكونه يجسد قناعات برلمان الحزب، الذي يربطه بقواعده ومختلف فروعه في الأقاليم والجهات، حيث الرهان الانتخابي يتخذ أهمية قصوى. ويؤكد هذا الموقف المعلن في بيان المجلس الوطني مرة أخرى ازدواجية الخطاب التي يتقنها الحزب، وحالة الانفصام السياسي التي يعيشها منذ أن اقتحم تجربة رئاسة الحكومة والمشاركة فيها، إذ على الرغم من كل التقدم الذي حققه في كثير من القضايا المجتمعية والفكرية، إلا أنه لا يزال يعيش ذاك المخاض بين إرثه المرجعي وحقيقة الممارسة السياسية.
وبينما يعي قياديو ووزراء الحزب هذه الإكراهات التي تفرضها عملية المشاركة في التدبير، لا يزال بعض مناضليه وقواعده يحنون إلى العودة لصفوف المعارضة والمواجهة، ورفع شعارات الماضي، خصوصا بعد أن لمسوا أن الحزب، بدأ يخسر الكثير من شعبيته وينفصل شيئا فشيئا عن المجتمع والشرائح الناخبة على الخصوص. ومن أجل التقليل من هذه الخسائر، تأتي بيانات المجلس الوطني للحزب بين الفينة والأخرى، بمواقف تصطنع المعارضة الراديكالية، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.