الرئيسية

الحوار الوطني لأراضي الجموع.. “مبادرة الإصلاح وأرشفة التوصيات”

د. جميلة فعراس

تعتبر الأراضي الجماعية رصيدا عقاريا يساهم بطريقة مباشرة في الإنتاج الوطني نظرا لمساحته التي تغطي نسبة 40 في المائة من مجموع الأنظمة العقارية بالمغرب وكذا لتواجدها بنسبة مهمة بالمجالات الفلاحية ذات الجودة العالية بما فيها المناطق المسقية واحتوائها على موارد طبيعية ومعدنية متنوعة.

وقد أضحت هذه الأراضي خلال العقود الأخيرة موضوع رهانات متعددة يتدخل فيها عدد من الفاعلين والشركاء، والجماعات السلالية وأعضاؤها والدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والمستثمرون الخواص.

وقد برز في الآونة الأخيرة عدد من الفاعلين الجدد في إطار جمعيات تمثل المجتمع المدني تثير قضايا جديدة مرتبطة بمكانة الشباب والمرأة ضمن المكونات البشرية للجماعات السلالية.

وترتبط هذه الرهانات بالتطورات الهامة التي يشهدها المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتي يمكن إيجازها فيما يلي:

أولا: دستور جديد يقر بالخصوص بجهوية موسعة كمدخل لإقامة حكامة ترابية جديدة ويؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة.

ثانيا: مطالب ملحة من طرف منتخبين وسياسين من أجل ملائمة الإطار القانوني المنظم للأراضي الجماعية مع التطورات التي يشهدها المناخ العام.

ثالثا: رهانات متزايدة ارتباط مع تعبئة العقار بصفة عامة لتلبية حاجيات مشاريع التنمية، تماشيا مع الطلب والتنوع السريعين للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.

رابعا: بروز أشكال وهيئات تمثيلية جديدة للدفاع عن مطالب الجماعات السلالية وأعضاءها.

خامسا: الانتقاد المتزايد للعديد من الضوابط والممارسات العرفية المرتبطة باستغلال وتدبير الاراضي الجماعية.

سادسا: تعدد وتضخم الصراعات والنزاعات بخصوص ملكية واستغلال الارضي الجماعية.
ولقد أظهر تشخيص وتحليل التجارب الوطنية والدولية، أن مسألة الاراضي الجماعية تعد اشكالية معقدة ومركبة، وأن حالة الانتظار  لا يمكن إلا أن تزيد في تعقيد وتفاقم المشاكل المطروحة كما أنه ليس هناك حل مثالي جاهز وصالح لكل الأوضاع بل هناك حلول مختلفة حسب الخصوصيات المجالية والاستعمالات المحلية والواقع المعاش مما يدعو إلى التأكيد على ضرورة بناء رؤية مستقبلية شمولية ومندمجة نابعة من رصد الواقع والديناميات الفاعلة في الميدان للاستجابة إلى انتظارات الفاعلين وخاصة منهم ذوي الحقوق.

وعليه فقد هدف الحوار الوطني حول الاراضي الجماعية إلى تعميق النقاش بخصوص مختلف القضايا المتعلقة بهذه الاراضي والتي يتضح من خلال تنوع أوضاعها وتباين أنماط استغلالها أن التفكير في مستقبلها لا يمكن اختزاله في إطار واحد بل لابد من اقتراح حلول متعددة وملائمة للحقائق، بالإضافة إلى الاجراءات العملية المواكبة التي تضمن ترجمة هذه الاختيارات على أراض الواقع.     

ويمكن تلخيص الأهداف الأساسية للحوار فيما يلي: 

أولا: التوافق حول التشخيص بين مختلف الفاعلين والشركاء المباشرين وغير المباشرين بخصوص واقع الاراضي الجماعية من ناحية الممارسات والاستعمالات ونمط الاشتغال وطرق التدبير المؤسساتي وكذا إبراز حصيلة العمل من اجل حماية وتثمين العقار الجماعي. 

ويتعين أن يشمل هذا التشخيص الانواع الثلاثة الأساسية أي الأراضي الفلاحية والأراضي الرعوية والأراضي الواقعة بالمدرات الحضرية وشبه الحضرية.

ثانيا: بلورة الاختيارات والتوجهات المستقبلية بالنسبة للأراضي الجماعية في مكوناتها الثلاث ومدى قابليتها للتفعيل.

ثالثا: وسيكون هذا الحوار فرصة لفتح نقاش واسع مباشر يهدف إلى إصلاح قانوني مؤسساتي وتدبيري وذلك عبر تكريس مسلسل اللاتمركز الذي شرعت الوصاية في تفعيله.

وفي انتظار التوصيات التي ستصدرها وزارة الداخلية المنبثقة عن الحوار الوطني، فإن الأراضي السلالية مازالت قيد الشد والجدب ومازالت حقلا خصبا لتلاعبات والاختلالات، ومازالت وسيلة للضغط، ومازالت محط أطماع لوبيات العقار، وكأننا نعيش داخل مغربين، مغرب الحداثة والتنمية، ومغرب السيبة واللاقانون، ويبقى السؤال المطروح اين هي مخرجات الحوار الوطني الذي رصدت له أموال طائلة، وكانت امل الفلاح الصغير وكانت امل الجماعات السلالية، وكانت امل المرأة السلالية ، أم أن توصيات الحوار الوطني دخلت الصناديق السوداء كما تدخل أموال التفويت والكراء التي تخص أراضي الجموع ؟

وبعد كل هذا الانتظار يأتي خطاب صاحب الجلالة مذكرا بإشكالات هذه الأراضي حيث قال جلالته في خطاب أمام أعضاء مجلسي البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة".

ومن جهة أخرى، فإن تعبئة الأراضي الفلاحية المملوكة للجماعات السلالية قصد إنجاز المشاريع الاستثمارية في المجال الفلاحي لا يمكن إلا أن تشكل رافعة قوية لتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي وخاصة لذوي الحقوق.  وهو ما قد يمكن من تعبئة، على الأقل، مليون هكتار إضافية من هذه الأراضي.

وعلى غرار ما يتم بخصوص تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري، فإنه أصبح من الضروري إيجاد الآليات القانونية والإدارية الملائمة لتوسيع عملية التمليك لتشمل بعض الأراضي الفلاحية البورية لفائدة ذوي الحقوق. ويجب القيام بذلك وفق شروط محددة تجمع بين الإنجاز الفعلي للمشاريع، والحد من التجزئة المفرطة للاستغلاليات الفلاحية، وتوفير المواكبة التقنية والمالية المطلوبة." 

مع العلم أنه سبق لجلالته أن وجه رسالة ملكية إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع "السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المنعقدة بمدينة الصخيرات يومي 8 و 9 دجنبر 2015، دعت إلى "الانكباب على إصلاح نظام الأراضي الجماعية، التي نثمن فتح حوار وطني بشأنها، واستثمار وترصيد نتائج هذا الحوار ومخرجاته الأساسية.

غير أن الخطاب الأخير والفقرة التي خصصت لهذه  الأراضي، جعلت وزارة الداخلية بحكم أنها الوصية على هذه الأراضي تتحرك وتحرك الآلة التشريعية التابعة لها لإنجاز مشاريع قوانين جديدة تقطع استمرارية ظهير 1919 الذي عمر قرنا من الزمن وجعل ملف أراضي الجموع ملفا خصبا بتلاعبات والتجاوزات، وتتلخص الخطوط العريضة لمشروع القانون رقم 62.17  في تكريس المساواة بين المرأة والرجل، أعضاء الجماعة السلالية في الحقوق والواجبات، طبقا لأحكام الدستور، وإعادة تنظيم الوصاية على الجماعات السلالية، وفتح إمكانية تفويت هذه الأراضي للفاعلين الخواص إلى جانب الفاعلين العموميين لإنجاز مشاريع الاستثمار، وإعادة النظر في كيفية كراء عقارات الجماعات السلالية، من أجل تشجيع الاستثمار، وخاصة في الميدان الفلاحي.

كما يقترح هذا المشروع تحديد كيفية اختيار نواب الجماعة السلالية والالتزامات التي يتحملونها وكذا الالتزامات التي يتحملها أعضاء الجماعة والجزاء المترتب عن الإخلال بهذه الالتزامات، وكذا إعادة تنظيم الوصاية على الجماعة السلالية من خلال إحداث مجلس الوصاية على الصعيد الإقليمي، يتكلف بمواكبة الجماعات السلالية في التدبير العملياتي وحماية الأملاك الجماعية وتصفية وضعيتها القانونية، إلى جانب مجلس وصاية مركزي الذي يختص أساسا بتحديد المبادئ العامة لتدبير الأراضي الجماعية والبرمجة والتتبع والمراقبة.

وفيما يخص ممارسة سلطة الوصاية أو من تفوض إليه تلك الوصاية الإدارية للدولة على الجماعات السلالية، مع مراعاة الاختصاصات المخولة لمجلسي الوصاية المركزي والإقليمي. كما سيتم إحداث مجلس يسمى "مجلس الوصاية المركزي" يترأسه وزير الداخلية أو من يمثله، ويتألف من ممثلين عن الإدارة وعن الجماعات السلالية. وعلى صعيد كل عمالة أو إقليم إحداث مجلس يسمى "مجلس الوصاية الإقليمي" يترأسه عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله، ويتألف من ممثلي الإدارة على الصعيد الإقليمي وممثلين عن الجماعات السلالية التابعة للعمالة أو الإقليم.

هذا بالإضافة إلى مجموعة من المواد الأخرى التي أتى بها هذا المشروع، والذي تحوم حولها مجموعة من الأسئلة ستظهر في الأيام القادمة لعل أبرزها.

هل هو وسيلة لتفويت هذه الأراضي إلى لوبيات العقار بعد أن اكتظت المدن؟ أم هو وسيلة فعلا للارتقاء بالأراضي الفلاحية؟ قادم الأيام وأروقة المحاكم هي من ستجيب على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى