هل نحتاج إلى نموذج حكامة ترابية جديدة بعد كارثة طنجة؟
الدار / افتتاحية
على الرغم من أن تفاصيل كارثة معمل النسيج بطنجة لم تتضح بعد، ولا تزال قيد التحقيق والتحري، إلا أن إقرار السلطات المحلية لولاية طنجة بأن الأمر يتعلق بوحدة صناعية سرية فتح الباب على مصراعيه أمام التساؤلات بخصوص مدى نجاعة النموذج الإداري الترابي القائم والذي يتميز في كثير من المناسبات بقدرة مشهودة على تعبئة المعطيات والمعلومات وكذا نهج مقاربة استباقية تتوقع مثل هذه الكوارث.
لقد ظهرت هذه النجاعة بجلاء في إدارة الأزمة الصحية المترتبة عن جائحة كوفيد 19. كما نشهد هذه الكفاءة أيضا حاليا في تدبير حملة التلقيح الوطنية. لكن الكوارث المتعاقبة في فصل الشتاء الجاري، تعيد من جديد إثارة بعض الجوانب في حكامة الإدارة الترابية ومدى قدرتها على استيعاب كل المهام الملقاة على عاتقها ورفع كل التحديات الإدارية اليومية التي تواجهها. وقد أظهرت فيضانات الدار البيضاء مؤخرا حجم الثغرات القائمة في إدارة الأزمات على المستوى المحلي على الخصوص.
صحيح أن الكثير من هذه الكوارث التي نتحدث عنها تتعلق بمسؤوليات المجالس المنتخبة في التجهيز وتوفير البنيات التحتية الكافية، لكن هناك مسؤولية الرقابة القبلية والبعدية التي تقع على مصالح وزارة الداخلية في الولايات والعمالات والقيادات. فسلطات الوصاية لا تزال تتمتع بحكم القانون بصلاحيات واسعة في مراقبة عمل المجالس المنتخبة وتتبعه، كما أن مسؤوليتها في مجال الترخيص وتقنين عمل النسيج المقاولاتي والأنشطة الاقتصادية والتجارية تعتبر أيضا مسألة تدخل في دائرة اختصاصاتها.
ومن هنا فإن الإكراهات التي بدأ يفرضها التوسع الاقتصادي والعمراني في بعض الأقطاب الحضرية الكبرى مثل طنجة والدار البيضاء والرباط، أصبح يسائل نموذج الحكامة الترابية القائم حاليا، والمعتمد أساسا على أعوان السلطة والأطر الإدارية الترابية باعتبارهم ممثلين لهذا القرب المطلوب بين الإدارة والمواطن. لقد تحدث بلاغ ولاية طنجة عقب فاجعة معمل النسيج عن “معمل سري” في قلب حي يعج بالحركة ويعرف جميع مرتاديه نوعية الأنشطة الصناعية التي تمارس فيه. في مثل هذه الحالات يفترض أن يكون المعمل لم يحصل على اي ترخيص مهما كانت نوعيته، وإذا ضبط أن يتم إغلاقه ومصادرة الآلات ومتابعة صاحبه قضائيا بسبب ممارسة نشاط صناعي دون الترخيص. لكن الواقع يؤكد أن القطاع غير المهيكل في المغرب واسع ويشغل أكثر من مليوني شخص في مجال الورشات الصناعية الصغرى والمتوسطة.
لن نبالغ إذا قلنا إن جل هذه الأنشطة غير المهيكلة ينطبق عليها نعت “السرية” إن صح تجاوزا. ومن باب تسمية الأشياء بمسمياتها إن ما يحدث ينطوي على تواطؤ يساهم فيه الجميع: سلطات ومقاولين وعمالا ومنتخبين بدعوى حماية فرص الشغل التي يوفرها هذا القطاع الصناعي غير المهيكل على الرغم من المخاطر والانتهاكات التي تميزه. إن ما يحدث في هذه المعامل ينبني على مقولة “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” التي تجد السلطات أيضا نفسها مجبرة على تبنيها. لكن ذلك لا يمكن البتة أن يكون مبررا لخرق القوانين وانتهاك الإجراءات التنظيمية والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التلاعب بها، أو التربح من ورائها.