لقاء أمير المؤمنين وبابا الفاتيكان وأسئلة حول تفاعل المؤسسات الدينية المغربية
منتصر حمادة
غالب الظن، أن أي متتبع مغربي لأداء المؤسسات الدينية، ستنتابه مشاعر متناقضة عندما يأخذ علماً بمضامين كتاب صدر مؤخراً في الساحة المصرية، ولكنه موجه لقراء العالم بأسره، أو على الأقل القراء في محور طنجة ــ جاكرتا والمجال الغربي المسيحي، خاصة أنه كتاب صادر باللغتين العربية والإنجليزية.
يتعلق الأمر بكتاب “الإمام والبابا والطريق الصعب” (ط 1، 2021)، مع عنوان فرعي جاء فيه “شهادة على ميلاد وثيقة الأخوة الإنسانية”، لمؤلفه القاضي محمد عبد السلام الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية.
سبب هذه المشاعر المتناقضة، تأمل غلاف الكتاب من جهة، وتأمل بعض مضامينه من جهة أخرى، وكذلك الرسائل المصاحبة للعمل، مع مقارنة هذه الملاحظات مع ما جرى هنا في المغرب، في اللقاء الذي جمع مؤسسة إمارة المؤمنين ومؤسسة بابوية الفاتيكان، وبالتالي مقارنة رسائل الكتاب مع الغياب الكلي لأي مبادرة مغربية من هذه الطينة، مع أن الأصل يُفيد بأن كثرة المؤسسات الدينية في المغرب، يفترض أن نعاين عدة إصدارات من هذه الطينة، ولكن الواقع الذي لا يرتفع، يُفيد أن الأمر خلاف ذلك.
ولكن، قبل الخوض في هذه المعضلة، نعرج بداية على بعض الوقفات الخاصة بالكتاب المعني حتى تكون للقارئ فكرة أولية عن الهدف من هذه المقالة، وعنوانها إثارة انتباه المسؤولين في المؤسسات الدينية المغربية من جهة، وإثارة انتباه دائرة صناعة القرار الديني في المغرب من جهة ثانية، بخصوص أهمية هذه الأعمال التي نفتقدها في الساحة المغربية لأسباب عصية على الفهم.
توقف الكتاب عند المراحل التي مرت بها “وثيقة الأخوة الإنسانية”، حتى توقيعها في 4 فبراير 2019 في أبو ظبي، حيث يسرد المؤلف الخطوات التي خطاها فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية نحو التفاهم والحوار والتي بدأت بزيارة الإمام الطيب للفاتيكان ومن ثم زيارة البابا فرنسيس للأزهر الشريف لتتنامى بعدها العلاقة الأخوية بين الرمزين الدينيين وتتوالى اللقاءات والتي شهد أحدها ميلاد فكرة “وثيقة الأخوة الإنسانية”، وقد قدم للكتاب كل من شيخ الأزهر الشريف، وبابا الكنيسة الكاثوليكية وعلّق عليه عدد من كبار الشخصيات السياسية والأكاديمية والثقافية من مختلف أنحاء العالم.
في تفاعله مع صدور الكتاب، ومن خلال تدوينة مكثفة وجامعة، اعتبر الصديق محمد سعيد، وهو باحث مصري أزهري، من الباحثين المتخصصين في أداء المؤسسات الدينية، السنية والشيعية، أن أهمية الكتاب تكمن في “أنه عمل تأريخي وتوثيقي، لفترة حاسمة من تاريخ الأزهر الشريف. وقد قرأه وأقرّه فضيلة الإمام الأكبر بنفسه، ووافق على ما جاء فيه، وكذلك البابا فرنسيس”، كما أننا نجد في ثنايا الكتاب فرائد “مهمة كلامية وفلسفية، وفقهية، من فقه وفلسفة الإمام الأكبر، كموقفه من مسألة التصويب الكلامية، وموقفه من الآخر العقدي، ونحو ذلك مما يصعب أن تجده صريحاً مسطوراً منسوباً للإمام في موضع آخر، والأهم من ذلك كله، وأنا معنيّ به شيعياً وسنياً، هو سلوك المؤسسة الدينية، وردّ فعلها، وكيف تقدم على اتخاذ قرار معين، في بيئة سياسية ودينية غاية في التعقيد، ووجدتُ في هذا الكتاب إجابات عن كثير من تلك الأبعاد”.
معلوم أن الزيارة الثانية لبابا الفاتيكان بعد لقاءه السابق بأحد رموز المؤسسة الدينية في العالم الإسلامي، أي لقاءه مع إمام الأزهر الشريف، كانت الزيارة التي قام بها للمغرب بين 30 و31 مارس 2019، والتي حظيت بمتابعات إعلامية قياسية (حوالي مليار و700 مليون من المشاهدين تابعوها في اليوم الأول، ومليار و100 مليون مشاهد تابعوها في اليوم الثاني).
لن نتحدث عن التشويش الذي تعرضت له الزيارة من طرف بعض المشاريع الدينية الإيديولوجية، المحلية والإقليمية، إخوانية وسلفية وهابية وغيرها، بل وصل التشويش حتى من أقلام صوفية، تعرض خطابها للأسلمة، فهذا موضوع تحدثنا فيها سابقاً، ولكن نتحدث هنا عن استثمار مثل هذه الأحداث لصيانة إشعاع مؤسسة إمارة المؤمنين.
نقول هذا ونحن نقرأ أن الكتاب أعلاه، تحدث عن أسباب نزول وثيقة الأخوة الإنسانية، ورسائلها، بينما تميزت زيارة بابا الفاتيكان للمغرب واللقاءات التي جمعته بأمير المؤمنين، الملك السادس، بعدة مبادرات، منها التوقيع على وثيقة “نداء القدس” أكدا فيها على “أهمية المحافظة على مدينة القدس الشريف، باعتبارها تراثاً مشتركاً للإنسانية، وبوصفها، قبل كل شيء، أرضاً للقاء ورمزاً للتعايش السلمي بالنسبة لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزاً لقيم الاحترام المتبادل والحوار؛ ولهذه الغاية، ينبغي صيانة وتعزيز الطابع الخاص للقدس الشريف كمدينة متعددة الأديان، إضافة إلى بعدها الروحي وهويتها الفريدة”.
كما تمّ في السياق ذاته، أي زيارة الزيارة، توجيه عدة رسائل إلى العالم بأسره؛ فمع المؤسسة الأولى، أشار البابا فرانسيس في حفل استقباله إلى أن “قضية الهجرة لن تحل أبداً عن طريق وضع الحواجز أو إثارة الخوف من الآخرين أو حرمان أولئك الذين يتطلعون بصورة مشروعة إلى حياة أفضل لأنفسهم وعائلاتهم”.
أما مع المؤسسة الثانية، فقد تحدث الملك محمد السادس من مقام مؤسسة إمارة المؤمنين، قائلاً: “بصفتي أمير المؤمنين، أدعو إلى إيلاء الدين مجددا المكانة التي يستحقها في مجال التربية”، مضيفاً في خطاب تلا فقراته باللغات العربية والاسبانية والإنكليزية والفرنسية “لمواجهة التطرف بكل أشكاله، فإن الحل لن يكون عسكرياً ولا مالياً، بل يكمن في شيء واحد هو التربية، ودفاعي عن قضية التربية، إنما هو إدانة للجهل فليس الدين هو ما يجمع بين الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين”، مضيفاً: “بصفتي ملك المغرب، وأمير المؤمنين، فإنني مؤتمن على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية، وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين، على اختلاف دياناتهم”، مشيراً إلى أنه “بهذه الصفة، لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين، فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية”، مشدداً أيضاً على أنه “المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب”.
كانت هذه الزيارة فرصة لكي يطلع الرأي العام على أدوار هذه المؤسسات، سواء تعلق الأمر بدور مؤسسة بابوية الفاتيكان في المجال المسيحي، أو دور مؤسسة إمارة المؤمنين، في مجال ثقافي مغربي وشمال إفريقي، تأكد فيه المتتبعون من وزن ودور هذه المؤسسة: هذا غيض من فيض تلك الزيارة، وبالرغم من كل هذه الرسائل والمبادرات والإشارات، لا نجد أي أثر لها كمي ونوعي في إصدارات وتفاعلات المؤسسات الدينية المغربية.
نقول هذا أخذاً بعين الاعتبار أننا نتحدث عن مغرب العلماء والصلحاء والأولياء، والمغرب الذي أصبحت العديد من دول المنطقة، بما في بعض الدول الأوربية، تطرق بابه من أجل الاستفادة من تجربته في تدبير الشأن الديني، والمغرب الذي تتعامل الطرق الصوفية الإفريقية مع الملك محمد السادس، أثناء زيارته لتلك الدولة، معاملة روحية لا نجدها حتى عند تعاملها مع رؤساء تلك الدول، لأنه لا توجد لديهم مؤسسة إمارة المؤمنين، ولأنه لا توجد لديهم أيضاً، هذه الأصالة الدينية التي تمتد هنا إلى قرون مضت.. أخذاً بعين الاعتبار كل هذا التراكم الديني والتاريخي، العريق والأصيل، لا نجد إصدارات نوعية، صادر عن مجمل تلك المؤسسات الدينية، تضاهي ما جاء في الكتاب أعلاه، الخاص بلقاء شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان.
هناك كتاب ألفه عبد الله بوصوف، أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج، حول مؤسسة إمارة المؤمنين، سبق أن نشرنا عرضاً متواضعاً حوله، وهو موجه بالدرجة الأولى إلى الساحة الفرنسية والفرنكفونية، من أجل التعريف بمكانة ودور ومرجعية المؤسسة، خاصة أنه تطرق لعلاقة المؤسسة بأسئلة المواطنة والتعددية وقضايا أخرى.
كان من المفترض أن يكون هذا الكتاب صادراً عن المؤسسات الدينية، لأن ذلك يندرج في صميم مهامها، ولكن الأمر لم يتحقق؛
كما كان من المفترض أن نعاين ترجمة للكتاب إلى العربية، تتكفل بها إحدى تلك المؤسسات، في سياق دفاعها عن دور ومرجعية مؤسسة إمارة المؤمنين، ومرة أخرى، هذه مبادرة لم تحقق؛
ولكن، هنا مقام ثالث أو مقام بديل، عنوانه “أضعف الإيمان”، مفاده، أن هذه المؤسسات، لديها العديد من المنابر الإعلامية، ورقية ورقمية، وبالتالي من المفترض أيضاً، بمقتضى مقام “أضعف الإيمان” سالف الذكر، الاقتصار ولو على نشر خبر والتعريف بالكتاب في تلك المنابر، كما تفعل المنابر ذاتها مع كتب أخرى، تصدر من خارج المؤسسات، وللمرة الثالثة، لم يتحقق الأمر أيضاً.