فشل الإسلاموية الحزبية بين المغرب ومصر: شهادات من الداخل
منتصر حمادة
مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، تظهر فجأة بعض الممارسات عن أتباع الإسلاموية في الساحة المغربية، والتي تكشف بعض المآزق البنيوية التي تميز هذا المشروع، وهي مآزق، تندرج ضمن مجموعة أسباب تفسر فشلها في الظفر بثقة المجتمع، فالأحرى الظفر بثقة صانعي القرار، مع أن جزء من هذه الإسلامية، يوجد اليوم في المؤسسة الحكومية والمؤسسات التشريعية، بمعنى يوجد في دوائر مؤسساتية تحيط بدائرة صناعة القرار، وبالتالي، كان من المفترض أن تكون هذه التجربة فرصة لمراجعة تلك المآزق، لولا أن الأمر يُفيد خلاف ذلك، على الأقل عند نسبة من أتباع المشروع.
من بين هذه الممارسات مثلاً، ما نعاينه في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما هو مفترض أن نعاينه بشكل جلي قبيل الأيام التي تسبق الاستحقاق الانتخابي الخاص بشهر سبتمبر القادم، لأنه في غضون تلك الأيام، ترتفع مؤشرات التأثير على اتجاهات التصويت، وهذا عاينا هذه الممارسة بشكل كبير، وبالوقائع والأمثلة، في استحقاقات 2016.
يتعلق الأمر بحالات عدد كبير من الحسابات الرقمية، لفاعلين في عدة مجالات، تعليمية، وإعلامية وبحثية وجمعوية وغيرها، كانت تطبق الصمت عن طبيعة مرجعيتها الإسلاموية، أو تزعم أنها محايدة، ولا علاقة لها بأي انتماء حزبي، ولكن هذه المزاعم تصبح ملغاة في حقبة الحملة الانتخابية، حيث تنخرط هذه الحسابات في الدعاية للمشروع الإسلاموي، أو الدعوة إلى التصويت إليه بشكل صريح أو خفي، أو ممارسات من هذه الطينة.
بمعنى آخر، طيلة سنوات وهذه الحسابات منخرطة في ما يُشبه التقية الرقمية، ولكن مقتضى الحملة الانتخابية، يتطلب منها خلع حجاب التقية، من أجل ممارسة الدعاية الرقمية لصالح الإسلاموية التي تنتمي إليها، وهي إسلاموية واحدة في الساحة، أي المنخرطة عملياً في العملية الانتخابية، وقد يصل الأمر حتى مع حسابات لفاعلين سلفيين، وفعاليات أخرى.
لا يهم الأمر هنا الإسلاموية الذين ينتمون إلى التنظيم، ولكن يهم حتى المتعاطفين أو الأتباع الذين يعملون خارج التنظيم (ولو إن حقيقة المشروع اتضحت بشكل جلي خلال السنوات الأخيرة، بما ساهم في تراجع شعبيته، ولكن وحدها الاستحقاقات الانتخابية، وخاصة الانتخابات التشريعية والانتخابية الجماعية، كفيلة بالكشف بالتفصيل عن نسبة تراجع هذه الشعبية).
الحديث هنا هن معضلة واحدة فقط من مجموعة قلاقل تنظيمية تتميز بها الإسلاموية، والتي يصعب حصرها، ونحن نفرق بين قلاقل تهم الماكرو، وأخرى تهم الميكرو، وبيان ذلك كالتالي:
ــ نقصد بقلاقل الماكرو، بعض القلاقل البنيوية في الإسلاموية، والحديث بالتحديد هنا عن الإسلاموية الإخوانية، وليس الإسلاموية السلفية الوهابية أو “الجهادية” أو غيرها، بحكم انخراط المشروع الإخواني في العمل الانتخابي. وطالما لم تراجع أدبيات الإسلاموية هذه القلاقل، فإن “الحصاد المرّ” الذي تعاني منه، سيطول. [“الحصاد المرّ” هنا، إحالة على عنوان أحد أعمال أيمن الظواهري، في نقده للمشروع الإخواني، مع فارق أننا نوجه النقد من منظور مضاد أساساً للمرجعية الجهادية، الغارقة طولاً وعرضاً في جهالة دينية، أساءت للمسلمين وغير المسلمين].
ــ ونقصد بقلاقل الميكرو، بعض الممارسات الميدانية، على أرض الواقع، والتي تغذي نفور بعض أتباع المشروع، أو بعض المتعاطفين معه، وأخذهم مسافة، قد تصل إلى درجة الاستقالة، أو الانخراط في نقده، في مرحلة ما بعد الاستقالة.
لا يمكن الفصل النظري الصارم بين قلاقل الماكرو والميكرو، بحكم التداخل الحاصل بينهما، بل قلاقل الميكرو من وجهة نظرنا، مجرد تفريعات على قلاقل الماكرو، كأنها تحصيل حاصل، لأننا نتحدث عن مشروع إيديولوجي، بأدبيات وتنظير، يعج برؤى إيديولوجية، لم تستوعب بعد أنها لا تؤسس أجواء ثقة، وتغذي كما سلف الذكر، أسباب فشله في الانتشار المؤسساتي وكسب معركة إقناع الرأي العام ورأي النخبة.
نتوقف في ما يلي عند شواهد ميدانية، يمكن تصنيفها في خانة القلاقل سالفة الذكر؛ فمع خانة قلاقل الماكرو مثلاً، نورد مقتطفات من شهادة للباحث المصري عماد علي عبد الحافظ، وهو عضو سابق في جماعة “الإخوان المسلمين”، ومن هنا أهمية تأمل مثل هذه الشهادات، لأنها تصدر من الداخل.
ــ يرى عماد علي عبد الحافظ [مع بعض تصرف] أن “السبب الرئيسي في فشل التجربة الإخوانية” لا يعود إلى “افتقاد الجماعة لبعض الأدوات التي تساعد على النجاح، ومنها امتلاك القوة التي تمكن من السيطرة”، بل كانت “الجماعة مجنياً عليها، لكنها في ذات الوقت كانت هي الجاني؛ فهي تمتلك من العيوب الذاتية الموجودة فيها منذ نشأتها وتأسّست عليها ما يجعل فرصتها في النجاح ضعيفة، فطبيعة الجماعة المغلقة السرية التي تبدو كطائفة تعيش منعزلة داخل المجتمع، المرتبطة بارتباطات خارجية ولها مشروع عالمي متجاوز للدولة الوطنية، وتقوم بصناعة شخصية أفرادها بصورة بها العديد من العيوب والمثالب والتشوهات الفكرية والنفسية، إلى غير ذلك من العيوب، جعل فرصتها في النجاح وقدرته على الاستمرار في السلطة ضعيفة، لأن عيوبها هذه تجعل من الصدام أمر حتمي ومن الصراع مع الآخر هو أساس العلاقة”.
ــ نأتي لرأي يهم قلاقل الميكرو، ويهم تجربة باحث مغربي وعضو سابق في حزب “العدالة والتنمية”، حرّره تحت عنوان “في أسباب عزوف النخبة عن ممارسة السياسة من داخل حزب العدالة والتنمية”، ويتعلق الأمر بالباحث سعيد الحاجي، وانطلق من طرح بعض أسئلة صريحة وهامة، تختصر الطريق في قراءات بعض متتبعي الإسلاموية الحزبية في نسختها المغربية، مرفقة بأجوبة، من قبيل أنه “إذا كنت شخصاً ذو رصيد معرفي وتجربة في الحياة العامة ولديك سجل ممارساتي نظيف، لكنك تتوفر على طموح مشروع للترقي والوصول إلى مواقع التدبير عبر اللوائح الانتخابية للحزب، فمن الأفضل ألا تحاول ذلك”، ومرد ذلك أن حزب “العدالة والتنمية”، يتوفر على “بنية تنظيمية معقدة، التعبير فيها عن الطموح محرم، بنية تقدم معيار الأقدمية والانتماء إلى بعض الهيئات الأخرى القريبة من الحزب (ليست سياسية بالضرورة) [من قبيل الحركة الإسلامية التي تجسد نواة الحزب، أي حركة “التوحيد والإصلاح”]، تأتي الكفاءة في مرتبة تالية على هذه الاعتبارات، ولو قدر لك أن تثبت كفاءتك وقدرتك على الإقناع، وحصلت على تزكية القواعد، فستقف لك عقبة المعايير الأخرى بالمرصاد، في شكل هيئة التزكية؛ وإذا كنت شخصاً ذو شبكة علاقات واسعة، فستفقد نصف هذه العلاقات بمجرد إعلانك الانخراط في الحزب، وإذا كانت معاركك قليلة مع الخصوم، فإنك ستتحول إلى هدف للجميع بسبب انتمائك للحزب. لا يهم، لأنك مقتنع تماماً بانخراطك في الحزب”.
هذه شهادة باحث كان عضواً في الحزب، قبل تقديمه الاستقالة بشكل رسمي في 2019، وبالتالي، على غرار شهادة عماد علي عبد الحافظ، نحن إزاء شهادة من الداخل، تلخص الشيء الكثير عن الأفق الإصلاحي الإيديولوجي للحزب المعني، أما إذا تمت إضافة المحددات الخاصة بتأثير الحركة الإسلامية التي تعتبر الواجهة الدعوية للحزب، فإننا حينها، إزاء محددات إضافية على فشل الإسلاموية الحزبية بشكل عام، والأمثلة تعج بها الساحة المغربية والعربية.