دراسة ترصد مداخل ومنطلقات المواجهة الفكرية والثقافية لظاهرة العنف والتطرف
الدار- خاص
نشرت وحدة “الاحياء” التابعة للرابطة المحمدية للعلماء، دراسة تتغيا الوقوف على أهم محددات المواجهة الفكرية والثقافية لظاهرة التطرف والعنف التي أمست تهدد التوازنات الاجتماعية والسياسية الكبرى لمجتمعاتنا، كما أمست تمعن في استنزاف وتشويه واختطاف المرجعية الدينية الجامعة.
وتوقفت الدراسة ابتداء، على ماهية هذه ظاهرة التطرف والعنف، والتمييز، في سياق فهمها وتفسيرها، بين التطرف بما هو تجاوز لحد الاعتدال؛ غلوا وتعصبا وتشددا، وبين الإرهاب بما هو تطرف يتوسل بأدوات العنف والإكراه، وما تقتضيه طبيعة كل منهما من معالجة قبلية أو بعدية تناسب السياق والمقام.
كما تطرقت ذات الدراسة، التي أعدها الدكتور عبد السلام الطويل، مدير وحدة “الاحياة”، و الأستاذ بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، للبنية الحاكمة للفكر المتطرف في افتقاره للوعي بمقاصد روح الدين وحقيقته، وكذا في حرفيته ونـزوعه الوثوقي، وخلطه بين ما هو توقيفي في الدين يقتضي التسليم، وما هو توفيقي يقتضي إعمال الرأي والاجتهاد والترجيح بحثا عن المصلحة.
كما تنطلق هذه الدراسة من الوعي بحقيقة أن قانون الطبيعة قائم على العنف؛ قانون البقاء للأقوى، الأمر الذي جعل الحياة تبدو في صورتها الطبيعية قائمة بدورها على العنف، بل وجعل الحضارة المعاصرة على غرار الحضارات القديمة قائمة كذلك على نصاب وافر من العنف.
وأكدت الدراسة على أهمية الدين والثقافة والتربية والقانون في ضبط العنف وتوجيهه وعقلنته، وكذا في تمكين الإنسان من تجاوز شرطه الحيواني؛ بحيث لم يغد الإنسان إنسانا إلا بفضل اجتراحه واعتماده لنظام معياري من القيم والتصورات والمبادئ وقواعد السلوك يحتكم إليها بشكل طوعي جماعي وتعاقدي ضد كل أشكال العزل والخوف والإكراه التوتاليتاري.
كما دعت الدراسة الى إشاعة الوعي بالتمييز بين منطق الدعوة ومنطق السياسة، وعدم الخلط بينهما.، و تجاوز النـزعة الوثوقية وادعاء امتلاك الحقيقة، وكذا التمييز بين توقيفية عالم الغيب وقطعيات الدين، وتوفيقية عالم الشهادة وموازنات السياسة وترجيحاتها المصلحية.
وشددت ذات الدراسة على أهمية قيم الغيرية والاختلاف، و إشاعة الوعي بأن مساحة العفو فيما يتصل بالنظرية السياسة المستلهمة للمرجعية الإسلامية بالغة الاتساع، وهو ما يجعل النظر في تدبير الشأن العام للجماعة الوطنية والأمة موكول إلى اجتهادها العقلي وإجماعها وشوراها استلهاما لمنظومة قيمها القرآنية الحاكمة وانفتاحا على الكسب الكوني لما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد بعيد عن منطق العصبية العنيف.
الدراسة دعت الى إشاعة الوعي بأن الإرهاب لا يتفجر بسبب الأزمة الاقتصادية والفكرية مهما كان عمقها، فحسب، وإنما بفعل الإدارة والتدبير السيئ للأزمة. وهو ما يقتضي إيلاء العناية اللازمة لعلم تدبير الأزمات وتكييفها.
كما أبرزت الدراسة أهمية العمل على التمييز بين النفاق، كنتيجة للتناقض معياريا بين القول والفعل على مستوى السلوك الفردي، وبين التناقضات والمفارقات والإكراهات الموضوعية التاريخية التي تفرضها مقتضيات تدبير الشؤون العامة للجماعة من تسويات وتوافقات وترجيحات بين المصالح المفاسد. وهو ما لا تستوعبه الإيديولوجيا التكفيرية المتطرفة التي تصدر عن رؤية تبسيطية للواقع، في حين أن الحقيقة الاجتماعية تتميز بالتناقض والتعقيد والتركيب.
كما حثت الدراسة على ضرورة الوعي بأن الموقف الجذري المتطرف يتحدد أولا؛ بجذرية النهج المتبع في التغيير، كما يتحدد ثانيا؛ بجذرية الأهداف التي يسعى إلى تحقيقيها في ذهول تام عن المقاصد والسياقات والمآلات. كما يعد نتيجة مباشرة للعجز عن الجسر بين نظام التمثلات المعيارية المجردة في الذهن، وبين الواقع القائم بكل تناقضاته، الأمر الذي يفسر إمعان المتطرفين في استخدام أساليب العنف سعيا منهم إلى المماهاة المستحيلة بين المعياري/المثالي والواقعي/التاريخي.