أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: الجزائر..ثمن الجوار الباهظ

الدار/ افتتاحية

ثمن الجوار مع الجزائر باهظ ومكلف بالنسبة لبلد مثل بلدنا المغرب. على الرغم من الأمان والاستقرار الذي ننعم به منذ عقود بفضل تماسك الجبهة الداخلية وحالة الانسجام بين السلطة والمواطن إلا أن ما سببه لنا الحقد الجزائري من تعثرات وتأخر على المستوى التنموي والاقتصادي على الخصوص كبير جدا. يكفي أن ندرك أن العمق الجيوستراتيجي الذي يمثله المغرب العربي بالنسبة للمغرب يمثل خسارة كبيرة لها كُلفتها خصوصا في مواجهة القوى الأوربية والدولية. ما بين 1989 تاريخ إعلان تأسيس اتحاد المغرب العربي في مراكش وما بين 2021 ضاعت أكثر من ثلاثين سنة أضاعها الجيران وحُرم منها المغرب وبلدان الجوار كتونس وليبيا من أجل تفعيل تكتل إقليمي قوي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.

ورغم كل هذا الهدر الزمني الهائل، الذي لا يمكن تعويضه، لا يزال نظام العسكر في الجزائر يعيش خارج التاريخ ويهدم كل آمال الوحدة والتعايش والتعاون التي يمكن أن تحول المغرب الكبير إلى قوة إقليمية وعالمية بما يمتلكه من مقدرات بشرية وطبيعية وجغرافية غير متاحة للكثير من التكتلات الأخرى الناجحة. لهذا قلنا إن ثمن الجوار مع الجزائر باهظ جدا. لقد كان باهظا بالنسبة لليبيا أيضا التي عاشت تحت ظل نظام عسكري مخبول لسنوات طويلة وبمجرد أن انهار دخلت في حالة من الفوضى والحرب الأهلية الطاحنة التي لا يزال الليبيون يحاولون الانفلات من ربقتها. لو كان هناك اتحاد مغاربي متماسك وقوي، لما كانت ليبيا ساحة لتنافس القوى الدولية وتصارعها.

لقد كان هذا الجوار الجزائري أيضا باهظا بالنسبة لبلد جميل ومستقر كتونس. من كان يعتقد أن تونس الخضراء الوديعة الرائدة في التنوير والتحديث ستصل إلى وضعها الاقتصادي والأمني المهزوز كما هو اليوم؟ لقد كانت تونس دائما تعتبر بلدا نموذجيا على مستوى القدرة في التحكم في منابع التطرف والإرهاب والرجعية، لكنها فجأة اكتشفت بؤرا لا تنتهي من هذه الظواهر مباشرة بعد انهيار نظام الرئيس زين العابدين بن علي. الجزائر تتحمل جزء من المسؤولية عمّا آلت إليه أوضاع ليبيا وتونس لأنها أعاقت وعلى مدى عقود من الزمن وبكل ما أوتيت من إمكانات مادية ودبلوماسية أي محاولة لبناء الاتحاد المغاربي فقط لأنها كانت ولا تزال تخشى من أن يتصدر المغرب زعامة هذا الاتحاد.

النظام العسكري لا يريد أن يرى نموذجا مدنيا ناجحا بالقرب من حدوده. هذا الأمر يفقده الشرعية المزعومة التي يبنى عليها استمراريته واستحواذه على السلطة والقرار. ولهذا لم يكن أيضا مستعدا لتدعيم الوحدة المغاربية والسير فيها قُدما لأنها كانت ستمثل مختبرا حقيقيا للعقلية العسكرية يمكن أن يُظهر عجزها ومحدودية أفقها بل وفشلها في المواكبة والعطاء. لقد كان الرئيس الجزائري الشادلي بن جديد واهما عندما التقط إشارة الحسن الثاني في نهاية الثمانينيات وتقدم خطوة إلى الأمام من أجل الحلم المغاربي، لقد تناسى لوهلة أن العسكر في الجزائر لا يمكن أن يتواروا تماما عن الحياة السياسية والتحكم فيها، وسرعان ما تحول القوس الذي أعقب احتجاجات 1988 إلى مجرد كوة ضوء عابرة.

هذا الثمن الباهظ دفعته وتدفعه موريتانيا أيضا التي كانت تؤمن في عهد معاوية ولد الطايع أنها ستكون أسرع المستفيدين على مستوى النماء والرخاء بسبب عدد سكانها المحدود وشساعة أراضيها. لكنها ظلت للأسف رهينة المكائد الجزائرية بالنظر إلى ارتباطها الثقافي والتاريخي بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية. إلى متى ستظل دول المغرب العربي تدفع إذن ثمن الجوار الباهظ مع بلد يحكمه نظام عسكري مارق كالجزائر؟ صحيح أن للتاريخ كلمته وأن الشعب الجزائري يهدم شيئا فشيئا نظام العصابة، لكن ذلك لم يكن أبدا ولن يكون دون تكلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى