الرأيسلايدر

عودة الدعاية الإسلاموية في الحملة الانتخابية التشريعية

منتصر حمادة

في غضون سنة 2017، وبشكل شبه موازي، أعلنت ثلاثة فروع إخوانية هنا في المنطقة وأوربا، عما سُمي حينها بـ”فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي”، ويتعلق الأمر بما صدر عن أقلام مشروع حركة “التوحيد والإصلاح” هنا في المغرب، من قبيل الأقلام التي تنشر في المواقع البحثية والإعلامية إياها، وحركة وحزب “النهضة” في تونس”، وتنظيم “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا”، هناك في فرنسا.
جاءت صيغة الخطاب عبر نشر مقالات لأعضاء ينتمون إلى المشروع، هنا في المغرب وتونس، أما في فرنسا، فجاءت عبر تغيير إسم المشروع الذي يُعتبر عملياً الفرع الفرنسي للمشروع الإخواني، من “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” نحو “اتحاد مسلمي فرنسا”، بصرف النظر عن المغالطات الأخلاقية والإيديولوجية التي نعاينها في هذا الإسم الجديد، أقلها أن مسلمي فرنسا، لم يطلبوا من المشروع الإخواني أن يكون ناطقاً باسمهم، (وليس هذا موضوع المقالة هنا).
وكما كان متوقعاً عند متتبعي أداء الخطاب الإخواني، فإن هذه الدعاوى لم تتجاوز سقف إعلان نوايا، لأنه لم يتغير شيء على أرض الواقع، ما دام الجمع بين الخطاب الدعوي والخطاب السياسي، ميزة لصيقة أساساً بحركات وأحزاب “الإسلام السياسي”، بدليل الحديث عن مفهوم “الإسلام السياسي” نفسه، الذي لا يمكن أن نطلقه هنا في المغرب على أغلب الأحزاب السياسية، من قبيل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التجمع الوطني للأحرار، حزب الاستقلال.. إلخ، بينما يُطلق أساساً على الحزب السياسي الذي نواته حركة “التوحيد والإصلاح” الإسلامية الحركية، أي حزب العدالة والتنمية.
مناسبة هذا التذكير، مردها تصفح مضامين المواد التي نشرها مؤخراً موقع حركة “التوحيد والإصلاح” الإسلاموية، وجاءت تزامناً مع انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة باستحقاق 8 سبتمبر القادم، بل إن بعض محرري هذه المواد، لا يجدون أي حرج في نشر المواد نفسها في مواقع التواصل الاجتماعي، ويحدث هذا عند التنظيم نفسه الذي زعم منذ بضع سنوات كما سلف الذكر، أنه منخرط في التمييز بين العمل السياسي والعمل الدعوي.
هذه ثلاثة أمثلة لبعض مقالات الرأي في الموقع نفسه، ضمن أمثلة أخرى، تصب في هذا الاتجاه:
ــ مقالة لمحمد عوام بعنوان “ولا تؤتوا السفهاء أصواتكم (موقع “الإصلاح”، 26 غشت 2021)، ومما جاء فيها أن “اختيار نواب الأمة ينبغي أن يكون عن وعي وتعقل ورشد وسداد، فلا جرم أنه ينبني عليه مصير شعب ودولة بأكملها، من هنا أفلا تكون الآية السالفة الذكر تقتضي ضمنياً عدم اختيار سفهاء الانتخابات وتجارها وأباطرتها الكبار، على اعتبار أن الاختيار في النهاية يؤول إلى العبث بالمال العام؟”، و”ينبني على الضرر وحجم الخسارة المتوقعة -وهذا الذي حصل بالفعل منذ زمن غير يسير- من اختيار سفيه الانتخابات وأن من فعل ذلك بمنح صوته لهؤلاء المرتزقة، أو أعانهم فقد خان دينه ووطنه وشعبه، وساهم في نصرة المفسدين”. [لا يجد الكاتب أي حرج في الحديث عن المرتزقة، كذا، مقابل الصمت عن حالة من يوظف الخطاب الديني في الاستقطاب السياسي والانتخابي] ــ مقالة لأحمد كافي بعنوان “على من سأصوت؟” (موقع “الإصلاح”، 28 غشت 2021)، مع الإشارة إلى أنها تندرج ضمن سلسلة مقالات سينشرها الكاتب، كما أشار إلى ذلك، ومما جاء فيها أنه “”في كل الأحوال، نحن مطالبون بأن إذا توقفنا في محطة بسبب التعثرات، أن نصمد في هذه المحطة التي استنفذنا فيها جهودنا واستفدنا منها، وأخذنا منها وأخذت منا، وأن نسلمها لدماء جديدة تكون قادرة على الإبداع والقفز بالتجربة إلى مدى آخر أسعد وأفضل. وأما أن نروج لترك السياسة فمكيدة إبليسية تروج على كثير من الصالحين”، مضيفاً أن “كل التجارب في العالم كله، أثبتت أن الذين دعوا إلى المقاطعة أو تركوا المجال السياسي، إما تراجعوا عنها بعد أداء الثمن غالياً. وإما تجاوزتهم الأحداث وعاشوا بوارا في أفكارهم، وانفض سامر الناس عنهم، وتقررت القضايا الخطيرة دون أن يستمع لأنينهم وصراخهم أحد”.
ــ وأخيراً، مقالة لمحمد عوام بعنوان “الموازنة في التصويت الانتخابي واجب شرعي ومبدأ عقلي”، (موقع “الإصلاح”، 27 غشت 2021)، ومما جاء فيها أنه على “المصوت أن يوازن بين الأطياف والأحزاب السياسية المتنافسة، يوازن بين برامجها، ومرجعياتها المعبرة عن خلفياتها الفكرية”، مضيفاً أن “الرجوع إلى الوراء، والإكثار من العويل، واتباع كل ناهق وناعب ومشوش حقود، فهذا لا يقبله دين ولا عقل ولا واقع. وبما أن الواقع المغربي يعج بكثير من الأحزاب السياسية، لها خلفيات متعددة، فبناء على المعايير التي ذكرتها، معيار الموازنة الشرعية تأصيلاً وواجباً، ومعيار العقل الراشد مبدأ، فعلى المصوت أن يختار بصدق وأمانة وتجرد من يصلح، فالتصويت واختيار المرشحين أمانة شرعية، ومسؤولية أخلاقية، وواجب وطني، وفي الأخير هناك من سيهاجر إلى الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وهناك من سيهاجر من أجل أم قيس، وشتان بينهما”. [وواضح من المقصود هنا بالفاعل السياسي الذي يهاجر إلى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، انطلاقاً من الأفق الإيديولوجي لمرجعية محرر المقال.
صعب الظفر بأمثلة أخرى تصب في توظيف الخطاب الدعوي، في سياق حملة انتخابية، على هامش تفاعل أحزاب الساحة مع الاستحقاقات التشريعية والجماعية، أفضل من هذا الخطاب، الصادر عن المشروع نفسه الذي رَوّج في سنة 2017 إلى التمييز بين العمل الدعوي والعمل السياسي ولا يبدو أن قيادات المشروع استوعبت حساسيات اللحظة التاريخية التي تمر منها المنطقة العربية من جهة، ومعضلة توظيف الخطاب الديني في العمل السياسي والحزبي، مع أن الأمر يهم دولة مسلمة أساساً، بل إن الحاكم هنا في المغرب، أي الملك محمد السادس، هو أمير المؤمنين أيضاً، وهو ضامن حماية الدين في المغرب الأقصى بمقتضى الوثيقة الدستورية، وبمقتضى العرف والتجربة والواقع المجتمعي المغربي الذي لا يرتفع، وهؤلاء يعلمون ذلك جيداً، وبالرغم من ذلك، لا زلنا نعاين توظيف الخطاب الديني في المعترك الانتخابي.
وفوق هذا وذلك، يجب التذكير أن الأحزاب السياسية المغربية، سالفة الذكر وغيرها، ليست أحزاباً خارج الملة الإسلامية، حتى تنخرط هذه الأقلام الإسلامية الحركية، في الترويج لهذا الخطاب الإسلاموي، في هذه الحملة الانتخابية بالذات، بعد صمتها طيلة الفترة الممتدة بين تاريخ الاستحقاقات الانتخابية، وانخراطها حينها في الدعاية للمشروع الإسلاموي، ولرموزه، محلياً وإقليمياً كما هو الحال مع ما يقوم به إسم من الأسماء سالفة الذكر، في الدعاية للمواقف السياسية للرئيس السابق لحركة “التوحيد والإصلاح”، والذي يشغل اليوم، منصب أمين عام منظمة إسلاموية ذات امتدادات إقليمية، ومسيرة من طرف دولة خليجية، لأنها مجرد أداة وظيفية، ضمن أدوات أخرى، في الإعلام و”البحث العلمي” والعمل الجمعوي والعالم الرقمي… إلخ.
نحن لم نتوقع قط أن نعاين أي فصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي، ويكفي تصفح موقع الحركة المعنية هنا ــ بصرف النظر عن الأمثلة الواردة في هذه المقالة ــ لأن هذا هو الأصل عند حركات وأحزاب “الإسلام السياسي”، منذ لحظة التأسيس، أي منذ سنة 1928، هناك في مصر، بقدر ما نجدد التأكيد، مع هذه الإشارات وغيرها، أنه من الصعب الظفر بثقة الرأي العام عندما يمارس الباحث عن هذه الثقة، مثل هذه الازدواجية، فالأحرى الظفر بثقة صناع القرار.

زر الذهاب إلى الأعلى