أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: ردا على ابتزاز أوربا.. المغرب في محيطه والمحيط في مغربه

الدار/ افتتاحية

تبدو المحاكم الأوربية وهي تمارس هوايتها في ابتزاز الدول الإفريقية والمغاربية بقراراتها الجانحة وكأنها تمارس السياسة بدلا من الالتزام بقواعد دولة الحق والقانون. فالقرار الذي ألغت بموجبه اتفاقية الصيد البحري باعتبار شمولها للأقاليم الجنوبية ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل الضغط والابتزاز ومحاولة التركيع التي تنهجها بعض الحكومات الأوربية منذ فترة. ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وغيرها من الحكومات الأوربية لم تعد ترى في صعود المغرب اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا مصدر اطمئنان لها.
المغرب الذي وافق قبل يومين على مشروع عملاق للربط الكهربائي بينه وبين بريطانيا لم يعد بالنسبة لبعض الحكومات الأوربية ذلك الشريك الذي ينبغي دعمه، وإنما هو عنصر صاعد جديد يتعين كبح جماحه. هذا ما تم التصريح به بشكل علني من طرف بعض الجهات الألمانية المحسوبة على دوائر القرار، عندما نصح أحد مراكز البحوث والاستشارة بتقليص الدعم الموجه للرباط وخلق توازن بينها وبين الجزائر. هذا يعني أن قرار المحكمة الأوربية الجديد ينسجم تماما مع هذه الموجة غير المعلنة من الكراهية تجاه المغرب بين دول كانت تعتبر إلى الأمس القريب دولا صديقة وحليفة.
بالأمس أيضا اتخذت فرنسا قرارا لا يمكن إخراجه من سياق ما يحدث عندما قررت خفض أعداد التأشيرات المخصصة للمواطنين المغاربة إلى النصف. صحيح أن هذا القرار ذو طبيعة انتخابية وشمل أيضا تونس والجزائر، لكنه بالنسبة لبلد حليف مثل المغرب يمكن اعتباره صدمة ومفاجأة تعتري العلاقات بين البلدين. سيقول بعض المحللين الأوربيين إن المحكمة الأوربية مستقلة وتتمتع بكامل الصلاحيات للنطق بأحكامها. كان من الممكن تصديق هذه الخرافة لو لم تكن المحكمة المعنية سبق أن أصدرت قرارات مناقضة في ملفات مشابهة، كما أنها سبق أن قضت بشرعية الاتفاق في مناسبة سابقة. هذا يعني أن الاعتقاد بأن الأحكام القضائية للمحكمة الأوربية خالية من أي اعتبارات سياسية يعتبر سذاجة صارخة.
إذا اتفقنا إذن أن هذا القرار جزء من الحملة الموجهة ضد المغرب وأن هذه الأحكام القضائية مشوبة بشبهة السياسة وأن بعض الأنظمة الأوربية لم تعد قادرة على إخفاء رغبتها في تحجيم دور المغرب، فما علينا إذن إلا أن ننهي هذا الابتزاز بشكل كامل وجذري. حان الوقت كي يوقف المغرب بشكل تام تفويت سواحل المحيط الأطلسي للاستغلال من طرف الجيران الأوربيين بأبخس الأثمان، والعمل على استغلال الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الاقتصاد الأطلسي للمغرب. لقد بدأت إرهاصات هذا التحول بعد أن أطلق الملك محمد السادس أوراشا تنموية هائلة في الأقاليم الجنوبية أهمها الطريق السريع الممتد إلى الصحراء، والميناء العملاق في مدينة الداخلة.
المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، والمغرب في محيطه والمحيط في مغربه، وهذا هو الواقع الذي يجب أن يعرفه الأوربيون بمحاكمهم وحكوماتهم. فقرارات المحكمة الأوربية لا يجب أن تمثل من اليوم فصاعدا أي مصدر للضغط أو الإزعاج ضد شرعية الوجود المغربي على أراضي أقاليمه الجنوبية. وإذا كان بعض المتطرفين الأوربيين من أحزاب اليمين على الخصوص في إسبانيا وألمانيا يعتبرون أن اتفاق الصيد البحري هو اليد المكسورة التي توجع المغرب، فلا حاجة لبلد يشق طريقه بهدوء نحو الاستقلالية الاقتصادية والثقافية الكاملة في تجديد اتفاق يستفيد منه بالأساس لوبيات الصيد البحري في أوربا الذين يجنون ملايير اليوروهات من الثروة السمكية الوطنية.
لقد ولّى ذلك العهد الذي كان فيه المغرب يفسح المجال أمام كل سبل الحوار ويتجاوز عمن يمارسون الابتزاز ضده في سبيل الحرص على استقرار الأوضاع وتجنيب المنطقة مضاعفات التصعيد. العهد الجديد الذي دشنه الملك محمد السادس في خطابه الأخير ووضع له عنوانا رئيسا وأساسيا هو إعادة رسم قواعد التعامل مع الجيران في أوربا.

زر الذهاب إلى الأعلى