أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: الرسالة السياسية من تعيين خالد آيت الطالب وزيرا للصحة من جديد خلفا لنبيلة الرميلي

الدار/ افتتاحية

من الواضح أن قرار تعيين خالد آيت الطالب وزيرا للصحة من جديد بدلا من الوزيرة السابقة نبيلة الرميلي ليس مجرد استجابة دستورية لملتمسها الشخصي، وملء للفراغ الوزاري الذي يمكن أن تخلقه استقالتها. التجاوب الملكي السريع مع هذا الملتمس وعودة آيت الطالب إلى منصبه السابق ينطوي على رسالتين أساسيتين. الأولى ترتبط بالجواب على النقاش المفتوح حول ظاهرة التنافي بين المناصب الوزارية ومناصب رئاسة المجالس الجماعية والجهوية، والثانية تتعلق بالاستجابة للحاجة إلى استمرارية مؤكدة في تدشين بعض الملفات وفتح بعض الأوراش، وضرورة الاعتراف لبعض الكفاءات بالدور الذي لعبته في هذا الإطار.

فعلى الرغم من أن التشريع لا يمنع الوزراء من الجمع بين منصبهم الحكومي التنفيذي ومناصبهم على رأس الجماعات المحلية كمنتخبين، إلا أن هذه الاستجابة السريعة لملتمس نبيلة الرميلي رئيس المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء، تأكيد على أن ليس كل ما يتيحه القانون يسير دائما في خدمة المواطنين وفي خدمة تدبير الشأن العام. لقد تم إعفاء الرميلي بناء على طلبها التفرغ لمسؤولياتها الجسيمة على رأس مدينة الدار البيضاء، وهذا يعتبر في حد ذاته ذكاء سياسيا وخلقا تنظيميا عاليا ينبغي التنويه به، لكنه أيضا تأكيد من السلطات العليا للبلاد على أن المسؤول النموذجي هو الذي ينبغي أن يولي اهتمامه الكامل لما أوكله له الناس من مهام جسيمة ويتفرغ فعلا لخدمتهم وتقديم ما يلزم لهم بعيدا عن طموحه السياسي الشخصي.

كثير من الوزراء أو المسؤولين تم انتخابهم وتولوا مسؤوليات مزدوجة، لكن من المؤكد أن التزام المسؤول بأداء مهامه في حقيبة واحدة أو مهمة فريدة يكفيه ويتجاوز أحيانا حتى قدراته وإمكاناته. يمكن لهذا المسؤول أن يبرز كفاءته في تدبير جماعة محلية مهما كانت صغيرة أو كبيرة ويتحدث بلغة المنجزات وخطاب الإدارة الناجعة، بدلا من أن يستمر في الجمع بين أكثر من مسؤولية دون أن تكون له القدرة على الوفاء بالتزاماته هنا وهناك. لذلك إن الاختيار والحسم في المسؤولية الرئيسية التي يريد المسؤول أن يتحملها يعتبر أمرا غاية في الأهمية، وقد ينعكس على مشواره السياسي الشخصي أو على موقع هيئته الحزبية التي ينتمي إليها. صحيح أن بعض المسؤولين يمتلكون طاقما كبيرا من الخبراء والمستشارين الذين يمكنهم تسهيل عمليات التخطيط والاطلاع والإدارة عليهم، لكن هذا لا ينفي أن للتنافي بعدا أخلاقيا لا بد من الحسم فيه.

لذلك، فمن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة إقدام عدد من المنتخبين على حسم اختياراتهم السياسية، من أجل تفرغ ناجع لمهامهم. ومن المتوقع على المدى المتوسط أو البعيد أن تتم مراجعة التشريعات الخاصة بمسألة التنافي من أجل حسم هذا الجدل المثار حول التنافي في حالة البرلمانيين واللاتنافي في حالة الوزراء. وهو إشكال يمكن مقاربته بالأساس من منظور السياق السياسي الذي نعيش على إيقاعه اليوم، وعنوانه الرئيسي هو ضرورة إفراز نخبة سياسية وإدارية مؤهلة لرفع تحديات المرحلة القادمة وتنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد.

كما أن هذه الإشكالية تأتي في قلب نقاش آخر لا يقل أهمية يتعلق بضرورة تطوير اللامركزية واللاتمركز الإداري من أجل ديمقراطية محلية حقيقية. فاستمرار تراكم المسؤوليات الجهوية والمحلية على المسؤوليات المركزية والحكومية يخلق هذا التشويش غير المنتج حول مدى أهمية ودور الجماعات المحلية ومجالس الجهات في تحقيق التنمية والنهوض بمختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. إن رئاسة جماعة قروية صغيرة في منطقة نائية قد يمثل بالنسبة للناخبين والساكنة أحيانا خطوة مهمة في تحسين معيشهم اليومي بشكل ملموس، قد لا يلمسونه أحيانا من القرارات المركزية القادمة من العاصمة. لذلك فليتفرغ المسؤولون لمناصبهم الأَوْلى حسب كفاءاتهم واختياراتهم، لأن في ذلك رسالة سياسية بليغة للمجتمع والوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى