أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: عودة بنكيران..هل هي إعلان وفاة البيجيدي؟

الدار/ افتتاحية

ما الذي تعنيه إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران بأغلبية ساحقة على رأس حزب العدالة والتنمية؟ بعض المنتمين لحزب العدالة والتنمية يعتبرون ذلك نصرا مؤزرا ويستبشرون بهذه العودة على اعتبار أنها إنقاذ للحزب وربما إحياء له بعد نكسة انتخابات 8 شتنبر. لكن ماذا لو كانت عودة بنكيران إشارة إلى أزمة قيادة ونخبة داخل هذا الحزب؟ يمتلك حزب العدالة والتنمية قاعدة واسعة من المنخرطين وقاعدة أوسع من المتعاطفين، وفي هيئاته وأجهزته المئات من الكفاءات الشابة والنسائية وغيرها. لكنه عندما قرر عقد مؤتمر استثنائي وانتخاب قيادة جديدة لم يجد بُدًّا من إعادة انتخاب الزعيم السابق الذي قاد الحزب في أول تجربة حكومية له.

لطالما اعتبرنا في المجال السياسي أن حزب العدالة والتنمية يتمتع بقدر كبير من الديمقراطية الداخلية، ولا يعرف الكثير من الصراعات التي تعرفها الأحزاب السياسية الأخرى من تطاحن حول التزكيات في الانتخابات أو حروب حول تقلد المسؤوليات الداخلية، وكان ذلك خاضعا دائما لمساطر وإجراءات واضحة تجعل الحزب يتمتع بقدر كبير من الاستقرار بعيدا عن مخاطر الانقسام والانشقاق. هذا يعني أن حزب العدالة والتنمية قادر نظريا على الأقل على أن يقدم باستمرار لنفسه وللمجتمع في كل مرحلة القيادة السياسية المناسبة لها. لكن بعد أول فشل انتخابي ساحق في 8 شتنبر لم يجد حزب العدالة والتنمية بديلا من العودة مرة أخرى إلى الاحتماء بزعيمه التاريخي عبد الإله بنكيران.

هذا الواقع يجعل حزب العدالة والتنمية يدخل ضمن قائمة الأحزاب السياسية التقليدية التي تخلّد زعماءها وتحولهم إلى أصنام وأحيانا إلى آلهة، لا يمكن الاستغناء عنها. في الحقل السياسي المغربي هناك زعماء يقودون بعض الأحزاب لعشرين عاما أو أكثر، ولا يتركون المجال أمام منافسين داخل الحزب من أجل الإطاحة بهم أو استبدالهم. فهل دخل حزب العدالة والتنمية قائمة هذه الفئة من الأحزاب؟ سيقول قائل لقد تم انتخاب عبد الإله بنكيران بشكل ديمقراطي في مؤتمر استثنائي شرعي فلماذا يمكن مقارنته بالأحزاب الأخرى التي تُخلد زعماءها؟ من ناحية قانونية لا غبار على انتخاب الرجل، لكن من الناحية السياسية يمكن أن تُعتبر عودة بنكيران بعد كل المسار الذي قطعه في الحزب نوعا من الانسداد في الأفق وانعدام البدائل، وربما موت أسطورة الحزب الديمقراطي المحكم التنظيم والمؤسس على انضباط والتزام كبيرين.

هل عجزت الأرحام أن تلد غيرك يا بنكيران؟ لا يمكن مقارنة بنكيران بعمر بن الخطاب أو أبو بكر الصديق، ولذلك من حق من يتابع هذا المشهد السياسي المغربي أن يتساءل عن الغاية من عودة الرجل وإعادة انتخابه، إن لم تكن هي تطبيع حزب العدالة والتنمية مستقبلا مع الممارسات الحزبية التي كانت شائعة قبله، وعلى رأسها تقديس الزعماء الذين لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنهم وعن خدماتهم. هناك وجوه وقيادات كثيرة في حزب العدالة والتنمية كان من الممكن أن تعطي لموقع الأمين العام للحزب ألقًا ونفسًا جديدا، وتفسح المجال أمام تغيير كبير في أدبيات ومرجعيات وأهداف واستراتيجيات الحزب الذي حصد هزيمة تاريخية في الانتخابات الأخيرة. لكن عودة بنكيران مؤشر سلبي على أن الحزب سيكرر نفسه من جديد، وإذا كان التعويل في عودته على إتقانه للحروب الكلامية والتراشق الإعلامي مع الخصوم، فهذه “مكرُمة” لم يعد لها ذلك الأثر الذي كان في الماضي.

يجب على المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية أن لا ينسوا أنهم مرّوا من محطة تاريخية اسمها “انتخابات 8 شتنبر” وأن الخطاب الذي كان يعزز شعبية الحزب في الماضي، أي قبيل الربيع العربي وبُعيده، لم يعد اليوم يحدث أي أثر لدى الجمهور. كما أن هذا الجمهور نفسه اختلف اليوم سوسيولوجيا وثقافيا ولم يعد هو نفسه. لقد خسر الحزب الفئات الشعبية بعد أن نكص لوعوده، كما حوّل الطبقة الوسطى إلى عدو لذوذ، ولا يمكن لعبد الإله بنكيران أن يعول اليوم من جديد على نُكاته وقفشاته ضد خصومه وضد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ليستعيد الأمجاد الغابرة. لذلك فإن انتخاب عبد الإله بنكيران من جديد على رأس الحزب، لا يعدو أن يكون بمثابة إعلان عن وفاة تجربة سياسية مميزة، وميلاد تجربة سياسية روتينية.

زر الذهاب إلى الأعلى