أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: ما هكذا ندافع عن الأمازيغية

الدار/ افتتاحية

الجدل المثار حول استعمال اللغة الأمازيغية داخل مجلس النواب ومجلس المستشارين لا يكاد يخرج عن دائرة المزايدات الت يتقنها للأسف بعض النشطاء الحزبيين ويخرجونها في كثير من الأحيان من السياق الذي الحقيقي الذي يجب أن تناقش في إطاره. لقد أقرت الحكومة الحالية منذ تصريحها الحكومي الأول ميزانية غير مسبوقة لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية والتزمت بأنها ستسرع بتفعيل كل المقتضيات التي نص عليها قانون تفعيل اللغة الأمازيغية، وهو بالمناسبة التزام لم تسبقه إليها أي حكومة من الحكومات السابقة، بل تكاد تكون مبادرتها إحدى أهم المبادرات التي تم اتخاذها في مجال إعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي في ثقافتنا المغربية الأصيلة.

موضوع بهذه الأهمية الدستورية والثقافية بالنسبة لعموم المغاربة يجب أن يخرج إذن من دائرة التراشق الكلامي والمشاهد التي تستهدف خلق “البوز” الفارغ ودخول عالم “الترند” لا أقل ولا أكثر. في اعتقادنا ليس هناك أي مكرمة نضالية في قيام نائب أو نائبة برلمانية بطرح سؤال في مجلس النواب أو المستشارين باللغة الأمازيغية وهو يعلم أن جزء من الحاضرين داخل القبة لن يفهموه، وأن جزء آخر من المشاهدين والمتابعين لأشغال المجلس لن يفهموه أيضا.

أين يكمن المشكل إذن؟ المشكل ليس في اللغة في حد ذاتها، ولا في المستمعين الذين لا يعرفون الأمازيغية لأنهم ببساطة نشؤوا في وسط تهيمن عليه العربية، ولا في محتوى السؤال الذي يطرحه النائب أو النائبة. المشكل في نظرنا في هذه المقاربة “النضالية” العقيمة التي تدفع بعض المدافعين عن اللغة الأمازيغية إلى الاعتقاد بأن الحل في إعادة الاعتبار إليها هو في الحديث بها في محيط لا يفهمها فيه أحد. في نظرنا هذه الطريقة في الدفاع عن حق اللغة الأمازيغية في الوجود والاستعمال الرسمي ستكون لها بالضرورة نتائج عكسية، وقد تصم المناضلين والمدافعين عن اللغة والثقافة الأمازيغية أحيانا بالتطرف أو التشدد الذي لا جدوى من ورائه.

إن القضية الأمازيغية أخذت مسارها الطبيعي منذ خطاب أجدير ومنذ أن أقر الملك محمد السادس سلسلة من الإجراءات لحمايتها وإعادة الاعتبار لها بدء بتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مرورا باعتبارها لغة رسمية في الدستور وصولا إلى إقرار القانون الخاص بتفعيل الطابع الرسمي لها. صحيح أن تحقيق هذه النتائج الهامة جدا تطلب وقتا طويلا بعض الشيء، لكن الأمر لا يتعلق بإصلاح أو تشريع قطاعي محدود، بل بتحول ثقافي عميق، أي أن الزمن السياسي الذي استنزفه تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لم يكن هدرا ولا مضيعة للوقت بل كان يمثل تلك المدة الكافية لنضج الشروط والظروف المناسبة للإقدام على هذا الإجراء العميق والمهيكل للمجتمع.

بعبارة أخرى لن نبالغ إذا قلنا إن هناك نوعا من سوء الفهم لدى بعض الأوساط الحزبية في تناول مسألة النضال من أجل الثقافة الأمازيغية، وخصوصا أن البعض يتناسى أن أغلب المسؤولين والوزراء الذين يشرفون على قطاعات هامة مرتبطة بهذه القضية هم أنفسهم من حَملة الهم الأمازيغي لأنهم من جهة أبناء هذه الثقافة الأمازيغية ومن جهة أخرى يدركون جيدا السياق الثقافي الذي تمر بها بلادنا حيث يفرض التقدم الكبير المحقق على مستوى الوفاء بالالتزامات الحقوقية ضرورة تعميق كل الإجراءات التي تم اتخاذها لصالح الثقافة الأمازيغية.

إن أكبر خدمة يمكن أن يقدمها الجميع اليوم لقضية اللغة والثقافة الأمازيغيتين هي إخراجها من دائرة المزايدات الفارغة والسجالات الصورية التي يريد البعض من خلالها أن يظهر بمظهر المناضل في أوساط انتمائه الجهوي، ولربما لأغراض انتخابية خالصة. ولنكن صرحاء مع أنفسنا ومع الجميع، إن المناضلين الحقيقيين الذي دافعوا ولا يزالون عن الثقافة واللغة الأمازيغية يعيشون بعيدا عن الأضواء وخارج دائرة الدعاية الشكلية التي يحب البعض أن يرتمي في أحضانها.

زر الذهاب إلى الأعلى