افتتاحية الدار: مبادرة الحزام والطريق تتويج لخارطة علاقتنا الخارجية الجديدة
الدار/ افتتاحية
لم يكن من الممكن إلا أن يكون المغرب من أوائل الدول الإفريقية المنخرطة في مبادرة “الحزام والطريق” التي تعزز العلاقات مع الصين. هذه المبادرة التي تشمل أكثر من 140 بلدا عبر العالم، وتراهن على تنمية فرص التعاون الاقتصادي والرفع من التبادل والاستثمارات لا يمكن أن تتجاوز بلدا مثل المغرب يعتبر آخر محطة في طريق الحرير التاريخي الذي ربط الصين بدول العالم. في طنجة، المدينة التي خرج منها ابن بطوطة ليستكشف الصين والعالم، كانت آخر قوافل طريق الحرير تتوقف عن مسيرها في المملكة المغربية العريقة. وبعد أن تم اليوم التوقيع على اتفاقية بين المغرب والصين بشأن خطة تنفيذ “مبادرة الحزام والطريق”، يكتمل رهان المغرب الاستراتيجي على تنويع الشركاء والانفتاح على القوى الفاعلة في الاقتصاد العالمي.
هذه الاتفاقية التي تم توقيعها اليوم ليست مجرد تتويج للعلاقات الثنائية المغربية الصينية وتطورها الإيجابي، وإنما هي في الحقيقة ذروة التحول الدبلوماسي الذي نهجه المغرب منذ أكثر من سبع سنوات عندما قررت السلطات العليا أن تنفتح على قوى دولية أخرى خارج دائرة التحالف التقليدي التي كانت ترهن المغرب بعلاقاته التاريخية مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. في ماي 2016 زار الملك محمد السادس جمهورية الصين الشعبية في حدث تاريخي غير مسبوق، وتم خلال هذه الزيارة توقيع الإعلان المشترك عن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وقبل زيارة الصين، كان الملك محمد السادس قد زار فيدرالية روسيا. وكان سياق هاتين الزيارتين يؤكد أن المغرب يريد أن ينوع شراكاته الدولية وينفتح على القوى الدولية الصاعدة وعلى مستثمرين وزبناء جدد استجابة لتطلعاته الاقتصادية والدبلوماسية الواعدة.
وكانت الهند التي تعتبر من بين القوى الصاعدة قد عرفت زيارة مماثلة في نهاية 2015. ومثّل هذان العامان محطة خاصة في تاريخ العلاقات الخارجية للمغرب، تأكد من خلالها أن المغرب يضع أسس منظومة جديدة من الشراكات الاستراتيجية باعتباره بوابة إفريقيا التي يمكن أن تعْبرها هذه الاقتصادات العظمى من أجل المساهمة في تنمية القارة والاستفادة من أسواقها وثرواتها. واتفاقية تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” بين المغرب والصين ليست سوى التفعيل الملموس لهذا النهج الجديد الذي آتى ثماره في ظرف وجيز لا يتجاوز الخمس سنوات. لقد تضاعفت المبادلات التجارية بين المغرب وهذه الدول، إضافة إلى أنها أضحت مخاطَبًا مفترضًا بعد أن كانت في الماضي تعتبر حليفة لخصوم الوحدة الترابية، كما هو الحال بالنسبة لروسيا.
ومن الواضح أن التوقيت الذي تم اختياره لتوقيع اتفاقية تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” له دلالات هامة في هذا السياق. فهو تأكيد على أن المغرب، الذي نجح إلى حد بعيد في تدبير تداعيات جائحة كورونا، يمكن أن يحظى أكثر من أي وقت مضى بثقة فاعليين اقتصاديين دوليين مثل الصين، وأن يمثل منصة حقيقية لتفعيل كل أشكال التعاون بين البلدين، في أفق الخروج من هذه الجائحة، التي شكلت في العام الماضي مصدر قلق ونزاع بين الصين وبين القوى الدولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي. لم تتردد هذه الدول خصوصا خلال الفترة الرئاسية لدونالد ترامب في توجيه مختلف الاتهامات للصين باعتبارها مصدرا للجائحة ومنبعا لفيروس كوفيد 19، لكن تبين بعد أكثر من عامين على بداية الجائحة أن الصين خرجت قوية، بل ربما أقوى، من هذا الحرب التي لا تزال رحاها تدور.
إن مراهنة المغرب إذن على الذهاب بعيدا في تنفيذ مبادرة الشراكة مع الصين ينطوي أيضا على رسالة سياسية هامة تؤكد أن بلادنا لم تعد تقبل الانغلاق ضمن محاور وتحالفات ضيقة أو الخضوع لمنظور دبلوماسي قاصر، لأن ذلك لم يعد يستجيب لا للاحتياجات الاقتصادية ولا لدواعي الدفاع عن المصالح الوطنية في المنتديات الدولية وعلى رأسها الترافع عن قضية وحدتنا الترابية. ومن هذا المنطلق جاء تطبيع العلاقات مع إسرائيل وإعادة رسم قواعد التعامل مع إسبانيا وألمانيا، والانفتاح على دول إفريقية جديدة وهدم الحواجز النفسية مع أنظمة كانت تعتبر إلى حدود الأمس خصما للوحدة الترابية مثل كوبا.