الدين والحياةسلايدر

إسلاميات.. تقرير أوربي يُنصف مسلمي القارة ضد اليمين الأوربي والإسلاموية

منتصر حمادة

سابقة من نوعها في الساحة الأوربية صدر تقرير يُنصف مسلمي القارة بشكل يقوض الخطاب السياسي اليمني الصادر عن بعض الأحزاب السياسية في القارة، ويقوض أيضاً خطاب المظلومية الصادر عن بعض الجماعات الإسلامية في الساحة الأوربية.
يتعلق الأمر بتقرير حديث الإصدار، اشتغلت عليه “المفوضية الأوربية لمناهضة العنصرية والتعصب”، وهي هيئة استشارية أوربية تابعة لمجلس أوربا، حيث أعربت عن “أسفها الشديد بخصوص الصور التي تروج بين الفينة والأخرى حول الإسلام والمسلمين، وهي صور نمطية تكرس التعامل مع هذا الدين وأتباعه كما لو كانوا تهديداً”، مُعربة في مقدمة تقريرها السنوي الذي صدر في شهر مارس الماضي، عن رفضها هذه الرؤى، ومؤكدة في التقرير نفسه أن “هناك تنوع داخلي كبير في الممارسات الإسلامية”.
وأضاف التقرير الذي صادقت عليه المفوضية في 8 ديسمبر 2021، قبل الإفراج عنه رسمياً مؤخراً، أن هناك “ارتفاعاً دالاً في مؤشرات العنصرية والتعصب ضد المسلمين في العديد من الدول الأوربية، وهي مؤشرات تواكب أحياناً بعض المستجدات في الساحة، من قبيل ما عاينا في اعتداءات 11 سبتمبر 2001، والتي تلتها ارتفاع وتيرة الحرب ضد الإرهاب”. كما أعرب التقرير أيضاً عن “أسفه على الاتهامات المجانية التي تستهدف مُجمل الجاليات المسلمة في أوربا، وخاصة الاتهامات التي يتسبب فيها الخلط بين المسلمين وبين بعض المتطرفين الذين يلبسون قناع الدين، مما يتطلب وضع إجراءات تقاوم هذه العنصرية التي تترك آثاراً سلبية ضد مجموعة عرقية أو دينية أو لغوية”.
بخصوص الرسائل النقدية الموجهة إلى تيار اليمين الأوربي والتيار الإسلاموي، باعتباره الأكثر حضوراً في ترويج خطاب المظلومية، فقد جاءت على هامش توقف التقرير عند ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، معتبراً أنه “على الرغم من تداول المفهوم لدى العديد من الأوساط السياسية، ولكنه يتعرض لبعض الملاحظات النقدية بسبب احتمال إساءة فهمه بشكل غير مقصود، أو احتمال توظيفه لأغراض سياسية أو إيديولوجية، مما يُساهم في عرقلة حرية التعبير، ولذلك هناك حديث أكثر عن “الكراهية والعنصرية ضد المسلمين”، أو “الأحكام السلبية المضادة للمسلمين” مقارنة مع الحديث عن “الإسلاموفوبيا”، تفادياً للسقوط في التشويش على المقصود من استعمال المفهوم، وتفادياً لموضوع التوظيف السياسي والإيديولوجي”.
والمقصود بـ”احتمال توظيف مفهوم الإسلاموفوبيا لأغراض سياسية أو إيديولوجية”، موقف أحزاب اليمين السياسي، في الشق الخاص بالأوربيين، وموقف المشروع الإخواني في الساحة الأوربية، بحكم إصرار هذا الأخير على توظيف هذا المفهوم في سياق استقطاب الأتباع والأنصار، وليس صدفة أن بعض الجمعيات المعنية بالاشتغال على هذا الموضوع، وإعداد تقارير حوله، تنتمي إلى المشروع الإخواني، كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر، مع “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، التابع لإخوان فرنسا.
ولاحظ التقرير أيضاً أن شبكة الإنترنت “أصبحت وسيلة أكثر تداولاً من أجل ترويج خطاب الكراهية والأحكام السلبية ضد المسلمين، أما مواقع التواصل الاجتماعي، فلم تتصرف بما يكفي من أجل التصدي لهذا الخطر الذي تعرضت له الشبكة بفعل ترويج هذا الخطاب”، بل إن خطاب كراهية المسلمين في شبكة الإنترنت في الساحة الأوربية “ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة على الخصوص، ومن ذلك شيطنة المسلمين وترويج خطاب المؤامرة ضد الوجود الإسلامي في أوربا باعتباره يستهدف غزو القارة، حتى إن بعض القراءات العنصرية التي ظهرت على هامش التفاعل مع أجواء جائحة كوفيد 19، كانت تستهدف المسلمين، وقد تعرضت العديد من الحسابات الرقمية التي ندّدت بهذه الممارسات العنصرية ضد المسلمين إلى استهداف في الفضاء الافتراضي، ومنهم من تعرّض للتهديد والسب، حتى في قضايا لا علاقة لها بالمعتقد الديني أو بالجالية المسلمة”.
وأكدت المفوضية أن التصدي لخطاب الكراهية والعنصرية ضد المسلمين “يجب أن يستهدف الأشخاص والجالية أكثر منه استهداف الإيديولوجيات والأديان”، وأنه “يجب الفصل بين نقد المسلمين، وهو نقد مدان، ونقد الإسلام، لأن نقد الأديان في أوربا يندرج في إطار حرية التعبير والممارسة الديمقراطية، بينما نقد وسب المسلمين وممارسة العنصرية ضدهم، أمر لا يجب السماح به”.
ومن تجليات العنصرية ضد المسلمين في أوربا حسب التقرير، أننا “نعاينه بشكل متكرر في عدة قطاعات مجتمعية وحتى في العلاقة مع السلطات الإدارية”، مستشهداً بنتيجة إحدى التحقيقات التي أجرت على الصعيد الأوربي أكدت أن “حوالي 39 في المائة من المسلمين أكدوا تعرضهم لحالة عنصرية، وأنه في حوالي حالة من خمس حالات، كان سبب العنصرية مرتبطاً بالبعد الديني”. ولأن الدول الأوربية معنية بالتصدي لظاهرة الإرهاب، فقد اعتبر التقرير أن هذه الحرب “لا يجب أن تكون شماعة تفتح باب حرية ممارسة العنصرية والكراهية ومعاداة التسامح”، مندداً بـ”بعض الحالات التي لجأت فيها سلطات أوربية إلى إجراءات أمنية عادية في سياق الإجراءات الاحترازية ضد الإرهاب، إلا أن نسبة من هذه الحالات كانت تهم فئات معينة من المجتمع، ومنهم المسلمون بما يُساهم في الرفع من مؤشر المساس بحقوقهم ويساهم بالتالي في تغذية مشاعر الريبة ضدهم، وإعاقة إدماج المسلمين في النسيج المجتمعي الأوربي”.
وأكدت المفوضة أنه “لم يعد ممكناً التصدي العملي لهذه الممارسات غير السوية إلا عبر التنسيق بين جميع الفعاليات المعنية في المجتمعات الأوربية، سواء تعلق الأمر بمُمثلي مختلف الجاليات أو المسؤولين الدينيين، منظمات المجتمع المدني وباقي المؤسسات التي تشتغل في مجالات التربية والثقافة والرياضة والسياسة”، كما أن المجهودات الأوربية التي “تروم التصدي للعنصرية والكراهية ضد المسلمين تمرّ بالضرورة عبر التطبيق الكامل والنوعي لهذه القرارات لصالح الضحايا، مع الرهان على دور العامل التربوي من أجل إشعاع خطاب التسامح واحترام حقوق الإنسان بما يصب في سحب البساط عن خطاب الكراهية والعنصرية ضد المسلمين”.
ووجه التقرير الدعوة إلى الحكومات الأوربية من أجل “الانخراط في التصدي لهذه الظواهر بشكل إبداعي، بما في ذلك توظيف أنظمة ومؤسسات التعليم في هذا السياق، أقله أن تساهم في تقوية مناعة التلاميذ والطلبة ضد خطاب العنصرية والأحكام السلبية ضد المسلمين، وكذلك عبر التصدي لشتى أشكال معاداة المسلمين في المؤسسات التعليمية والجامعية”، معتبراً أن “التعددية الدينية تعتبر مكسباً لمجتمعات التعددية الثقافية وأن مجتمعات متعددة الأديان والمذاهب من شأنها أن تساهم في تكريس التعايش الديني بين أتباع هذه الأديان والمذاهب”.
حري التذكير بأن تقرير المفوضية الأوربية جاء في 33 صفحة، موزع على محور أول تضمن تذكيراً بأهم القرارات والمبادرات الأوربية ذات الصلة بالتصدي لخطاب الكراهية والعنصرية؛ ومحور ثاني تضمن وقفة مع السياقات التاريخية لخطاب الكراهية والعنصرية ضد المسلمين في أوربا؛ وأخيراً محور ثالث، تضمن توصيات جاءت موزعة على 60 توصية، إضافة إلى ملحق يتضمن أهم المراجع التي اعتمدها التقرير في سياق توثيق أحداث الكراهية والعنصرية ضد الإسلام والمسلمين في أوربا.
ويُحسبُ للمؤسسة نفسها أنها أصدرت تقارير حول العنصرية والتعصب ضد المسلمين خلال السنوات الأخيرة، من قبيل ما تضمنه تقريرها السنوي الصادر في نهاية فبراير 2020، والذي تحدث عن تصاعد الخوف من الإسلام في أوربا، مع تأكيد حينها أيضاً أن أعمال العنف اتجاه المسلمين، الناتجة عن الكراهية والعنصرية، في تصاعد حسب مؤشرات الساحة، إلا أن الجديد في تقرير مارس الماضي أنه تضمن وقفات بالتفصيل عند مؤشرات الكراهية والعنصرية ضد مسلمي أوربا، كما تضمن وقفة مفصلة عند السياق التاريخي للوجود الإسلامي في القارة الأوربية، ولأول مرة نقرأ تقريراً رسمياً “للمفوضية الأوربية لمناهضة العنصرية” والتعصب يتضمن 60 توصية خاصة بالتصدي لهذه الظاهرة التي تواجه عملية إدماج مسلمي القارة الأوربية.

زر الذهاب إلى الأعلى