المواطن

سلسلة “بصمات فضالية”: الحلقة الأولى مع الراحل عبد القادر الخميري

الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي

لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات.. 

مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة..  مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين. 

نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.

نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..

الحلقة الأولى: الراحل عبد القادر الخميري.. القدوة والقائد الذي طواه النسيان

أجمعت العديد من الفعاليات الوطنية والدولية، أن مدينة المحمدية والمغرب، لم ينصفا الراحل الحاج عبد القادر الخميري، أحد أبرز نجوم كرة القدم التي أنتجها الشارع المغربي بدون أغلفة مالية ولا تحفيزات مادية أو معنوية. شخصية يستحق مسارها الرياضي كلاعب دولي ومدرب وطني، أن يدرس بالمدارس الكروية. وأن تكون مثالا للقدوة والقائد الذي باتت تفتقده الملاعب الوطنية. مارس كلاعب مع أندية مغربية (رجي طابا، الوداد البيضاوي)، وفرنسية (ريد سطار، سطاد فرنسي، تولوز، بوردو)، ووداد تلمسان الجزائري كلاعب ومدرب، ومارس التدريب مع أندية مغربية ( اتحاد آسفي، النادي القنيطري، شباب المحمدية، الوداد والرجاء البيضاويين، حسنية آكادير، النهضة والنادي القنيطريين، الكوكب المراكشي،  رجاء بني ملال).

مدفع ريد سطار مكتشف النجوم

كان اللاعب والمدرب الذي نسج تاريخ كرة القدم المغربية والدولية على مدار خمسين سنة، قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها… قبل استقلال المغرب وبعده… لعب بالمغرب وفرنسا والجزائر… لقبه الفرنسيون بمدفع ريد سطار لقوة قذفاته… وأدمعت عيون التلمسانيين لدى عودته إلى المغرب، وطبعا فهو الذي منحهم كمدربا ولاعبا  الصعود إلى القسم الوطني الأول.

لعب المرحوم الخميري فأبدع ودرب فأقنع… درب تسع فرق مغربية، حصد معها بطولات وألقاب عديدة، وصعد ببعضها إلى خانة فرق الصفوة… ثلاثة كؤوس العرش وبطولتين وطنيتين وكأس المغرب العربي وكأس الصحراء وكأس الشباب… ونال شباب المحمدية النصيب الأكبر من سخاء الخميري الذي أدخله التاريخ الرياضي باكتشافه للنجوم (أحمد فرس وحسن اعسيلة و الحدادي و إبراهيم كلاوة وغيرهم كثيرون… ). ومنح الشباب ألقابا افتقدها برحيله… وترك جموع الفضاليين يرددون بيأس وإحباط عبارة (يا ليث الشباب يعود يوما)».

وحده الحارس الدولي حميد الصبار من بادر إلى تكريمه

مرت زهاء العقدين على رحيل عميد المدربين المغاربة وصانع أمجاد شباب المحمدية دون أن تبادر الفعاليات الفضالية إلى إنصاف الراحل المبدع عبد القادر الخميري …  باستثناء مبادرة حميد الصبار الحارس الدولي السابق والمدرب ومدير أكاديمية شباب المحمدية لكرة القدم. الذي أحدث دوري سنوي باسم المرحوم. لكن الدوري يحتاج إلى دعم مادي ومعنوي من ممثلي السلطات والمنتخبين والجامعة الملكية لكرة القدم  وكل الفاعلين الرياضيين، كما يحتاج إلى فرض دعم ومشاركة كل الأندية الوطنية والدولية التي لعب لها أو درب فرقها الأولى. وأهداها ألقابا وطنية ودولية.  الخميري الذي صنع قيد حياته، كل نجوم المدينة الذين أثثوا حينها تشكيلات أندية وطنية ودولية والمنتخب الوطني. لم يفكر أحد في إطلاق إسمه على إحدى المنشآت الرياضية  بالمدينة.  

رحلت زوجته دون أن تحظى برجاء الإنصاف

رحلت زوجته أخيرا بعد أن طال انتظار الإنصاف الذي لم يكتب في حياتها. كانت تعيش سنويا على أمل ما قد يفرزه الثالث من أكتوبر، ذكرى رحيل الخميري الذي كان حضنا لكل الفضاليين… تنتظر الأسرة دون جدوى التفاتة المسؤولين على الشأن الرياضي محليا ووطنيا  لأرشيف الراحل. وسط   أجواء من اليأس والإحباط  انتظرت الزوجة المريضة والبنات طويلا إنصافهن بتخليد سنوي لذكرى الخميري أحد أعمدتها الذي كانت تفتقده في حياته بسبب انشغاله في نهضة ورقي الفرق التي كان يدربها.

حزن الزوجة ضل لا يفارقني كلما تذكرت الراحل الذي لازال حاضرا ببصماته الواضحة. رغم زحف الملوثين.. لن أنسى أن الراحلة التي هي الآن بالقرب من زوجها، كانت قد أهدتني مصحفا. ودعت لي بما تيسر لها، بعد جلسات دردشة قضيتها معها بمنزلها، رفقة ابنتها السعيدة التي لن تكون أسعد إلا بإنصاف روح والدها. 

أتذكر حين قالت لي المرحومة زوجة الراحل (قيد حياتها)، والدموع تسبقها: لا أريد أن أموت دون أن أحضر تكريم زوجي، عشت معه سنوات شربنا وأكلنا كرة القدم ، عشنا معه هموم فرق كثيرة كان مسيروها يغطون في سبات عميق، لقد أفنى عمره في خدمة كرة القدم وإمتاع الجماهير المغربية والدولية… حرام أن يكون مصيره الإقبار والنسيان. لكن ماتت الزوجة ولم يتحقق رجاءها.  

سعيدة الخميري بدورها سبق أن صرحت لي أن  أباها عاش خادما لكرة القدم، بعيدا عن أسرته، لعب ودرب فكان لاعبا بارعا ومدربا معطاء قانعا مقنعا، وعبرت عن استياءها الذي ما فتأت تردده كلما سنحت لها الفرصة، من التنكر الذي شمل شخصية أنارت ملاعب كرة القدم بالمغرب وفرنسا والجزائر على مدى نصف قرن. 

رعاية ملكية  خاصة   

وحدها العائلة الملكية التي أسعفت الراحل قيد حياته، واعتنت بالأسرة غير ما مرة بعد وفاته. 


كان الراحل الخميري معروفا بالمرح والجدية والمثابرة. أوصاف جعلته محبوبا لدى المرحوم الملك الحسن الثاني.  عندما مرض تكفل جلالته بكل مصاريف العلاج  وخصه برعاية خاصة، حيث كانت  سيارة ملكية خاصة تنقله إلى المستشفى لتلقى كل العلاجات الضرورية مجانا. وعندما مرضت ابنته سعيدة حباها الملك محمد السادس بنفس الرعاية، ومنح عائلتها رخصة النقل التي تستعين بمدخولها الشهري على المصاريف اليومية، لكن الأسرة تجد مشاكل كثيرة في الاستشفاء واقتناء الأدوية.

ابنة الخميري تؤكد أنه  لولى رعاية الملك محمد السادس لخرجت بنات الخميري وزوجته إلى الشارع يطلبون الصدقة. قالت إن أجانب كانوا يلوموها ويقولون لها (لو كان لدينا شخصية أعطت لبلادها ما أعطاه الخميري لبلده لنصبنا له تمثالا). … وأضافت (عندما يفتكرون أبي سينصرهم الله وتعود نجومية شباب المحمدية والمغرب في كرة القدم). 

وعود تبخرت

العديد من المسؤولين في قطاعات مختلفة رياضية وغير رياضية حضروا الذكرى الأربعينية لوفاته يوم تاسع نوفمبر 1998 وتعهدوا  ببناء مركب باسمه وتسمية أحد شوارع المدينة باسمه وتنظيم دوري سنوي يحمل اسمه، لكن لا أحد منهم صدق في وعده.

فبعد الذكرى الأربعينية لوفاته التي سهر على إحيائها أعضاء المكتب المسير لشباب المحمدية  يوم الاثنين تاسع نوفمبر 1998، أسدل الستار عن حقبة تعد الأبرز في تاريخ شباب المحمدية وكرة القدم الوطنية، ودخل مجد المرحوم الخميري المزداد سنة 1920 في طي النسيان.

بعد وفاته خيم الحزن على المدينة بأكملها، وأطلقت عدة وعود بشأن تخليد ذكراه محليا ووطنيا كان أبرزها وعد ودادية المدربين المغاربة التي تعهدت باسم رئيسها آنذاك العربي كورة و بحضور عبد الحق ماندوزا  الرئيس الحالي لنفس الودادية، تعهدت الودادية من خلال كلمة ألقاها وضلت خالدة عند العديد ممن حضروا حفل التأبين، حيث أكد أن الودادية ستخلد ذكراه سنويا لتكريمه والتعريف بتاريخه الكبير. كلمة الرئيس تبخرت مع مرور السنوات وأقبر الخميري بتاريخه. وتمنى  من جايلوا الخميري أن يبادر عبد الحق ماندوزا لإحياء ذكرى زميل له ولكل الذين صنعوا أمجاد كرة القدم المغربية(الأب جيكو وعبد الحق القدميري …) لإنصافهم وإنصاف تاريخ كرة القدم المغربية.

شباب المحمدية في مقدمة من خذلوا أسرة الخميري

يعيب رفقاء ومحبو الراحل الخميري على  شباب المحمدية، تنكرها للشخصية التي  أدخلت النادي  إلى تاريخ المتوجين ومنحته ألقابا وبطولات وأغرقته بالنجوم والمتعة. 
فبعد التكريم الذي لقيه في حياته من طرف المجلس البلدي بداية التسعينات بدار الثقافة المدينة، وبعد الذكرى الأربعينية لوفاته التي سهر على إحيائها أعضاء المكتب المسير لشباب المحمدية  يوم الإثنين تاسع ونبر 1998، أسدل الستار عن حقبة تعد الأبرز في تاريخ شباب المحمدية وكرة القدم الوطنية، ودخل مجد المرحوم الخميري في طي النسيان.

حصيلة 50 سنة من الممارسة والتدريب

ولد المرحوم الحاج عبد القادر لخميري سنة 1920 بمدينة الدار البيضاء من أبوين ينحدران من قبيلة الزيايدة التابعة لتراب إقليم ابن سليمان، بدأ حياته الرياضية في كنف الشارع البيضاوي، حيث كان حبيس الملاعب الصغيرة (لحويط ولبرواك…)،استقى منها حسه الهجومي وتقنياته ولياقته التي وظفها عبر الملاعب المغربية والدولية.

انضم سنة 1936 إلى فريق رجي طابا، وعمل بشركة التبغ، وبعد تأسيس نادي الوداد البيضاوي  انتقل إليه لمدة أربعة مواسم، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ولج عالم الاحتراف بالديار الفرنسية، حيث لعب لأندية ريد سطار وسطاد فرنسي وتولوز وبوردو … انهى موسمه الاحترافي وعاد إلى المغرب، لينتقل موسم 1952/1953 إلى نادي وداد تلمسان الجزائري الذي ولج معه عالم التدريب، فكان مدرب ولاعبا به، وحقق الصعود معه إلى القسم الاول وسجل حينها 27 هدفا… تجربته الناجحة كمدرب بالجزائر مكنته من ولوج التدريب من أبوابه الواسعة… عاد إلى المغرب وتعاقد موسم 1954/1955 كمدرب مع فريق اتحاد آسفي وصعد معه إلى القسم الوطني الاول، وبعد استقلال المغرب ضل مع نفس الفريق الذي اندمج في النظام الجديد للبطولة الوطنية… انتقل موسم 1960/1961 لتدريب النادي القنيطري أحرز معه كأس العرش بعد تخطيه الوداد البيضاوي في المباراة النهائية بهدف نظيف، ومن القنيطرة انتقل لتدريب شباب المحمدية  الذي لازمه لفترات متقطعة أ حرز معه كأس العرش موسم 71/72 وكأس المغرب العربي سنة 1973 ووكأس العرش 74/75 وكأس الصحراء وكأس الشباب سنة 1976 والبطولة الوطنية موسم 79/80.

درب المرحوم الحاج لخميري اتحاد آسفي والوداد والرجاء البيضاويين وحسنية آكادير والنهضة والنادي القنيطريين والكوكب المراكشي  وشباب المحمدية ورجاء بني ملال الذي أحرز معه البطولة الوطنية موسم 1973/1974، كما درب خارج أرض الوطن وداد تلمسان.   

 

إشارة : 

من يمتلك أية معلومة إضافية أو صورة عن هذه الشخصية يمكن إرسالها لنا مشكورا على البريد الإلكتروني التالي

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى