أسماء المرابط: خيار ثالث في قراءة قضايا المرأة المسلمة
د. منتصر حمادة
على غرار ما جرى مع بعض الانتقادات التي وجهت إلى المفكر والروائي المصري يوسف زيدان خلال السنين الأخيرة، اتضح أن أغلب نقاده، من أتباع المرجعية الإسلامية الحركية، أو التقليدية المحافظة، انطلقوا من تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام أو على هامش محاضرة له هنا أو هناك، بينما لم يقرأ أغلب هؤلاء ما ألف الرجل، والحديث هنا عن نقد خصّ الآراء التي جاءت في بعض أعماله، ولكنها مرت كأنها لم تصدر أساساً، ولكن عندما صدرت لوسائل الإعلام تغيرت الأمور، فساد الهرج والمرج.
على هذا المنوال إذاً، وبعد مقاومة طال أمدها، اضطرت أسماء المرابط إلى تقديم استقالتها من مؤسسة علمية كانت تقودها منذ حوالي عقد من الزمن، والحديث عن مؤسسة "مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام"، وهو مركز بحثي تابع لمؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، حيث كانت أسماء المرابط رئيسة المؤسسة بين 2010 و2018، وجاءت الاستقالة على هامش تفاعلات مرتبطة بتصريح جديد للمرابط مرتبط بموضوع المساواة في الإرث، ولأن الأمر يتعلق بمؤسسة دينية، تقوم بما يمكن القيام به في سياق تجديد الحطاب الديني، من منظور معرفي، إلا أن المقاومة الإسلاموية من الداخل، ومعها المقاومة الإسلامية المحافظة، انتصرت في نهاية المطاف، دون أن يُفيد ذلك أننا نتفق طولاً وعرضاً مع اجتهادات أسماء المرابط، لاعتبار بَدَهي، أنه لا يوجد أساساً أي قلم ديني أو فكري أو غيره، يُؤخذ من كلامه ولا يُرد، وبالتالي آراء واجتهادات المرابط يُؤخذ منها ويُرد، وهذه مسألة طبيعية، على غرار التفاعل مع باقي الأسماء، إلا أن واقعنا، مع هذه الحالة بالذات، أفضى إلى تقديم الاستقالة. وكانت هذه الاستقالة هينة لو أنه لدينا مئات أو حتى عشرات من السيدة، إلا أن الأمر خلاف ذلك.
تعمل المرابط طبيبة بالمستشفى الجامعي بالرباط منذ سنة 1995 وحتى اليوم، كما عملت طبيبة متطوعة بمستشفيات عامة بإسبانيا وأمريكا اللاتينية، وتشتغل في موضوع "المرأة في الإسلام" من وجهة نظر تحررية أساسها الانطلاق من المرجعية الإسلامية في تناول القضايا النسائية [المرجعية الإسلامية هنا إحالة على نصوص الدين الخاتم وليست إحالة على نصوص الإسلاموية]، من خلال إعادة قراءة النصوص الدينية برؤية إصلاحية، ولذلك نصف مشروعها بأنه أشبه بطريق ثالث في التعامل مع قضايا المرأة في الإسلام، على هامش كتابها "القرآن والنساء: قراءة للتحرر"، والصادر باللغة الفرنسية بداية، قبل أن يُترجم إلى العربية، وهي الترجمة التي قام بها الباحث والمترجم محمد الفران، مدير المكتبة الوطنية.
ويمنح هذا الكتاب إمكانية التعرف على هذا السعي المختلف نحو التحرير النسوي، بتعبير فهمي جدعان، ويمنحنا نحن فرصة تحرير أنفسنا من الخطابات الأحادية أو الاختزالية التي تروج عن الإسلام، وخاصة الخطابات الإيديولوجية، الدينية والمادية على حد سواء، حيث تُمكننا هذه القراءة من التعرف على هذا الإرث الديني ورؤية مدى حثه النساء على النضال من أجل التحرير باعتباره مصدر قوتهن، وهنا تكمن أهمية مساهمة أسماء المرابط، من خلال دعوتها إلى الاعتراف بحق النساء المسلمات ليكون لديهن دور فاعل في تفسير النصوص الدينية، مما يتطلب التحرّر بداية من رؤيتين على طرفي نقيض: الأولى مقاربة إسلامية محافظة متصلبة، والثانية مقاربة غربية إثنية عرقية معادية للإسلام؛ فكلا الخطابين ينكسر من صورة المرأة ويحصر أهميتها كلها في جسدها، ولا يعطيها حقها كإنسان قبل كل شيء، في الوقت الذي أعطى القرآن صورة للمرأة منافية لهاتين النموذجين الذين يتصارعان فيما بينهما، ويوجد بينهما مجموعة لائحة من القواسم المشتركة، قد يكون أهمها، وقوفهما معاً أمام طريق مسدود، وكون المرأة المسلمة بقيت ضحية بامتياز، لاختيارات تمت طيلة قرون من الجمود والانحطاط.
ولعلّ أبرز خُلاصات العمل، تأكيد المرابط على أنه تمّ تجاهل فلسفة التدرّج التي دعا إليها القرآن الكريم، والتي تهدف إلى تحرير وتحرر تدريجي، مما أدى إلى تراجع وضعية المرأة، وهكذا تَمَّ سريعا إحباط الثورة النسائية لتعلو عليها التقاليد الأبوية التمييزية، وأصبح هَمُّ الخطاب الديني هو تقييد الحريات المكتسبة تحت شعار أخلاقيات دينية لكنها أخلاقيات مجردة من الجوهر، ومردُّ ذلك برأي الباحثة، أننا نجد في جزء كبير من القراءات التأويلية للقرآن مجموعة من المظاهر والصور الكلاسيكية التي تشتغل بوعي أو بدون وعي، في أفق إبعاد النساء وتهميشهن تماماً باسم الدين، ويكمن المأزق الأكبر، في أن هذه التأويلات أصبحت مع الزمن حواجز كأداة، أمام كل الذين يريدون الرجوع إلى الحركة الأولى للنص القرآني المقدّس والمؤَسِّس، من أجل إيجاد أجوبة لكل ما أصبحت تفرضه علينا المرحلة المعاصرة.
شاركت أسماء المرابط في مؤتمرات دولية وقدمت العديد من المحاضرات حول هذا الموضوع. عينت رئيسة "للمجموعة الدولية في التفكير في قضايا المرأة في الإسلام" من سنة 2008 إلى سنة 2010، وهي عضو في المكتب الأكاديمي لشبكة الدولية مساواة، وعضو المجلس الإداري لمؤسسة الثقافات الثلاثة بمدينة إشبيليا، ولها العديد من المؤلفات في هذا الموضوع، منها:"عائشة أو الإسلام المؤنث" دار النشر التوحيد الفرنسية سنة 2004، فرنسا، وترجم إلى الإيطالية والهولندية والإسبانية؛ "القرآن والنساء: قراءة للتحرر"، وصدر هو الآخر عن نفس الدار، في غضون 2007، قبل أن يُترجم إلى الإسبانية الكاتالونية والإيطالية والإنكليزية والعربية؛ "الإسلام، المرأة والغرب"، وصدر عن دار "صيغر ـ أطلانتيكا" الفرنسية، في 2010؛ "النساء والرجال في القرآن: أي مساواة؟"، عن دار النشر "تقاطع الطرق" المغربية ودار "البراق" الفرنسية؛ "الإسلام والمرأة: الطريق الثالث"، ترجمة بشرى لغزالي، وصدر عن دار مرسم المغربية، وصدر في 2014؛ "الإسلام والنساء: الأسئلة المزعجة"، وصدر في غضون 2017، وهو العمل الذي حاز على جائزة الأطلس الكبير لسنة 2017، مع الإشارة الضرورية إلى أن جميع الأعمال محررة بالفرنسية، لهذا نذهب إلى أن الراحلة فاطمة المرنيسي كانت ولا زالت تحتل الرتبة الأولى في ترجمة أعمال مؤلفة مغربية إلى اللغات الأجنبية، وأن أسماء المرابط، تحتل الرتبة الثانية، سيراً على منوال المرنيسي.
يُحسبُ لأسماء المرابط أنها تبنت ما يُشبه خطاً وسطاً في التفاعل مع قضايا المرأة انطلاقاً من التراث الإسلامي، بمعنى أنها اجتهدت، رغم أنها قادمة من تخصص الطب، في أخذ مسافة من الخطاب الفقهي الذي يُراوح مكانه بشكل عام، في معرض تفاعله مع المستجدات والتحديات التي تطال المرأة؛ ونتحدث عن الشق التقليدي في هذا الخطاب، وليس الخطاب الفقهي المجتهد، موازاة مع أخذها مسافة من المرجعية الحداثية المتشددة في التعامل مع قضايا المرأة، وفوق هذا وذلك ألفت العديد من الكتب التي ساهمت في إشعاع اسمها واسم المركز البحثي الذي كانت تترأسه.
وإذا كانت هناك ملاحظات نقدية على اجتهادات أسماء المرابط، وهذا بَدَهي كما سلف الذكر، فيجب أن تتم في نفس المقام العلمي، سواء في هذه المؤسسة أو غيرها، وليس عبر حملات التشهير وما يُشبه الشيطنة، حتى نسقط في مقام نقدي لا علاقة له بالنقد، وإنما أشبه بسوء الأدب مع العلم والنقد قبل أن تكون سوء الأدب مع المعنية أو غيرها.