غير مصنف

وقفات مع خطاب الإسلاموية… المؤسسات الدينية ونقض الخطاب الديني المتشدد

د. منتصر حمادة

في إطار تفعيل مشروع "المصالحة"، في سياقه الديني تحديداً، انخرطت مؤسس الرابطة المحمدية للعلماء في تأهيل دفعات من المعتقلين الإسلاميين، من أتباع المرجعية السلفية، والذي توبعوا في قضايا التطرف أو التطرف العنيف.

وضمن المبادرات التي تروم التعريف المحلي والإقليمي بهذا المشروع، نظمت المؤسسة المعنية في 3 يوليو 2018، مؤتمراً دولياً حول "تفكيك خطاب التطرف"، تحت رعاية ملكية سامية، وعرف مشاركة بعض الفاعلين الدينيين من المشرق، صرّح أحد هؤلاء، ويتعلق الأمر بأمين عام هيئة عالمية لعلماء المسلمين أن "رجال الدين في حاجة إلى إنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي قصد محاربة التجنيد الإلكتروني الذي بات الوسيلة الأنجع لغسل أدمغة الشباب"، مضيفاً أن "هذا التجنيد الإلكتروني يقوم على أساس أجندات عالمية لا ترتبط فقط بأشخاص أو تنظيمات إرهابية، بل ترتبط بدول تعمد إلى غسل أدمغة الشباب". وتمّ تتويج هذه المشاركة المشرقية، بعقد اتفاقية شراكة بين المؤسسة الدينية المغربية ومؤسسة دينية مشرقية بهدف "تعزيز قيم الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب".

من بين أسباب الدعوة الصادرة عن المسؤول الديني المشرقي، وهو الذي أشرف على تأطير عدد من العائدين من بؤر التوتر والنزاع، كونه التقى شاباً في مطار إحدى الدول كان متجهاً إلى القتال في سوريا مع تنظيم "داعش"، وعندما سأله هل التقى بعلماء هذا التنظيم أو أحد أعضائه قبل قرار التحاقه، أجابه بأنه لم يلتق بهم إلا عبر "فايسبوك".

ومعلوم أن التصدي النظري والعملي للحركات الإسلامية "الجهادية"، أو جماعات "التطرف العنيف"، مشروع مفتوح على عدة جبهات، من الجبهة السياسة والجبهة الاقتصادية والجبهة الفكرية وغيرها، وما يهمنا هنا بالتحديد، التوقف عند أداء الجبهة الدينية، حيث تبنت الدولة المغربية مجموعة من المبادرات، مباشرة بعد إطلاق مشروع "إعادة هيكلة الحقل الديني"، والذي انطلق بشكل محتشم نوعاً ما، مع إقالة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، صاحب كتاب "الحكومة الملتحية" (2006)، وتعيين أحمد التوفيق، المؤرخ أولاً وأخيراً، ورجل خبرة علمية رصينة، وخاصة الخبرة العلمية المرتبطة بالتصوف، إضافة إلى نهله من تجربة صوفية، بحكم انتماءه إلى إحدى الطرق الصوفية، ويتعلق الأمر بالطريقة القادرية البودشيشية التي تنتمي إليها مجموعة من الأسماء السياسية والفكرية وغيرها.

سوف يتم الرفع من وتيرة مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني، مباشرة بعد صدمة اعتداءات الدار البيضاء في 16 ماي 2003، وسيتم الكشف عن الخطوط العريضة لهذه الوتيرة النوعية في المنطقة، ابتداءً من أبريل 2014، ومن الأبواب التي تم طرقها في سياق تفعيل المشروع، استنجد صناع القرار بالمؤسسات الدينية في معرض التصدي للظاهرة، مباشرة بعد صدمة اعتداءات نيويورك وواشنطن، موازاة مع "طلب النجدة" من الخطاب الصوفي، أو قل الاستعانة به، في سياق توظيف مرجو لهذا الخطاب ضد المشروع الإسلاموي بشكل عام، سواء تعلق الأمر بالحركات الإسلامية الدعوية أو السياسية [حركات وأحزاب "الإسلام السياسي"]، ومن باب أولى الحركات الإسلامية القتالية أو "الجهادية". وسوف نتطرق في مقالة لاحقة إلى معالم هذا الخيار، أي آفاق الاستعانة بالتصوف لمواجهة الإسلاموية بشكل عام.

بالنسبة للحالة المغربية، فقد لوحظ أن الرأي العام انتظر أربع سنوات بعد صدمة اعتداءات الدار البيضاء، حتى يُعاين تنظيم أول ندوة علمية تحت إشراف مؤسسة المجلس العلمي الأعلى، تروم الاشتغال على نقد الخطاب الإسلامي المتشدد، في نسخته "السلفية الجهادية"، أشرف على هندستها باحث مغربي متخصص في الدراسات المستقبلية، كان مستشاراً سابقاً في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأصبح اليوم مستشاراً في الرابطة المحمدية للعلماء، وإن كان هامش اشتغاله في المؤسسة الثانية أقل من المنتظر بمقتضى عدة إكراهات إدارية وتواضع الدعم المالي وما إلى ذلك.

في السياق ذاته، انتظر الرأي العام عشر سنوات ونيف، حتى يُعاين انخراط مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، في مشروع "المصالحة"، واستهدف التجاوب العملي مع 360 معتقلاً "جهادياً" في السجون، أعربوا عن رغبتهم في الانخراط في البرنامج سالف الذكر، وتشرف عليه المؤسسة الدينية، بتنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان. وقد استهدف البرنامج في النسخة الأولى 14 "سلفياً جهادياً" أدينوا في ملفات محاربة الإرهاب والتطرف، قبل الإفراج عنهم، كما استهدف مع النسخة الثانية مجموعة أخرى من المعتقلين، في انتظار العروج عل الفوج الثالث.

موازاة مع هذا العمل الميداني، والذي حتى إن كان متواضعاً، فإنه مكسب أولي يجب صيانته والدفاع عنه، لأنه فاتحة ميدانية لا مفر منها، انخرطت المؤسسة ذاتها في إعداد دراسات علمية أكاديمية في إطار وحدة مختصة بنقد خطاب التطرف والإرهاب، تدخل في سياق بلورة "المضامين الأصيلة المتزنة والوسطية المعتدلة، في إطار ثوابت المملكة"، وركزت على عدد من المفاهيم ذات الصبغة الشرعية التي تستند إليها الجماعات الإسلامية المتشددة، ويُحرفها دعاة التطرف والإرهاب، ويبنون عليها خطابات المفاصلة والكراهية، والعنف، حيث اختارت الرابطة الفضاء الإلكتروني لنشر الدراسات، عبر بوابتها الرسمية، وهي سبع دراسات "تفكيكية" أولية، تهم "في دراسة في تفكيك خطاب التطرف" و"في تفكيك مفهوم الجزية" و"في تفكيك مفهوم الجهاد"، لأمين عام المؤسسة، بجانب الدراسات التالية: "مفهوم الحاكمية: من أجل تجاوز إشكالات المفهوم والتوظيف الإيديولوجي"؛ "في حقيقة القتال في سبيل الله ونصرة المستضعفين"؛ "من الخلافة إلى الدولة: قراءة في السياق وتفكيك المفهوم"؛ "الدولة الإسلامية: قراءة في الشروط وبيان تهافت خطاب التطرف".

لدينا مجموعة من المؤسسات الدينية التي من المفترض أن تنخرط بشكل جماعي ومسؤول في هذا الورش الحساس والمؤرق، ضمن أوراش أخرى، ما دمنا نتحدث عن مؤسسات تروم المساهمة في صيانة الأمن الروحي للمغاربة، حسب الاصطلاح الشهير الصادر عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامي الحالي، أحمد التوفيق، ويُلاحظ حتى حدود اللحظة، بعد عقد ونصف من اعتداءات الدار البيضاء من جهة، وعقود من تعرض المغرب لرياح التدين الإسلاموي القادم من المشرق، بالكاد نُعاين صدور بضع مبادرات لمواجهة هذه الظواهر التي أساءت للأوطان والدين معاً، بما يقتضي المزيد من الكد، مع العمل بثنائية التقييم والتقويم في آن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + 14 =

زر الذهاب إلى الأعلى