زامورا الإسبانية.. أرض أندلسية “كاثوليكية” تحتضن ألفا و100 مسلم ومسلمة
زامورا الإسبانية، مدينةٌ كانت تُعرفُ إبّان الحكم الإسلامي، باسم سامورا، ما يعني الزيتون أو "أزمور" باللغة الأمازيغية، هذه المدينة التي تشهدُ في كل عام مهرجان "الأسبوع المقدس" الذي تُقدّم فيها أطباقُ الطعام المطبوخ حصراً بلحم الخنزير، تُقدَّمُ تلك الأطباق كطقس من طقوس هذا المهرجان الشعبي الكبير.
مجد الدين، لاجئ سوريٌ مسلم، يعيشُ منذ ثلاث سنوات في هذه المدينة الواقعة شمال غرب إسبانيا، قرب الحدود مع البرتغال، حيث تكثرُ الخنازيرُ البرية، أسوة بتلك التي تُربّى في المزارع الخاصة.
وسط المدينة يقومُ سوقٌ للمواد الغذائية، وتُباع فيه أيضاً الأواني ومسلتزمات الطهي، لكّن أحد المحال التجارية، تخصّص في بيع الأواني الفخارية المصنوعة من الطين والتي تُعدّ الوعاء التقليدي الذي يُقدَّمُ فيه حساء الثوم المطبوخ بلحم الخنزير والنقانق والكثير من الثوم والبابريكا، إضافة إلى قطع من الخبز وقليل من الزبدة.
وعلى الرغم من مرور سنوات على وجوده في هذه المنطقة، إلا اللاجئ مجد الدين القادم من بلدة الزبداني في ريف العاصمة دمشق، لم يذق هذا الطبق قط، لأنه يحتوي، مثل الكثير من الأطعمة في هذه المدينة على لحم الخنزير، والتي يُحرّم الإسلامُ تناوله.
يقول مجد الدين مبتسماً: "إضافة إلى السبب الديني، أنا لا أتناول لحم الخنزير لأسباب صحية، فغالباً ما تصاب الخنازير بأمراض، وليس من قبيل الصدفة وصف الأشخاص عديمي النظافة بأنهم خنازير".
وإضافةً، إلى حساء الثوم، هناك الكثير من أطباق الطعام المشهورة في المدينة لا يستطيع الشاب السوري تناولها، مثل "أرز الثامورانا" أو "بينتشوس مورنوس" وغيرها من الأطعمة الشهية.
يقول مجد الدين: "عندما أخرج مع زملائي في العمل، فإنهم أحياناً يمازحونني بقولهم إن جميع الأطعمة هنا تحتوي على لحم الخنزير، لكن في الواقع، في حال ذهابنا إلى مطعم فإنهم دائماً يطلبون لي طبقاً خاصاً، خالياً من لحم الخنزير، إنهم يحترمونني كثيراً".
استهلاكُ لحم الخنزير في زامورا، ارتبط تاريخياً بالمسالخ التقليدية، لاسيما في القرى، حيث واجهت آلافُ العائلات آفة المجاعة التي كانت تضرب المنطقة بين الحين والآخر، بصنع أطباقٍ من "التشوريزو" (لحم الخنزيرالمجفف)، مستخدمين كل جزءٍ من الخنزير؛ أقدامه، أنفه، أذناه، حتى دمه كان يستخدم في صناعة "السجق الدموي" كما أن الناس استخدموا دهن الخنزير لطهي الطعام كبديلٍ أرخص من النفط.
بالنسبة لمجد الدين، فإن الدين الإسلامي يتيح للمسلمين تناول لحم الخنزير، في ظل ظروف قاهرة تتعلق بالبقاء على قيد الحياة، كأن ينعدم الطعامُ باستثناء لحم الخنزير وأن يكون المرءُ على شفير الموت، حينذاك يمكن له أن يتناول ما يتخطى به عتبة الهلاك، يقول مجد الدين: "أثناء الحرب في سوريا، عشت وعائلتي ظروفاً قاسية جداً، فبالكاد كنّا نستطيع تأمين قوت يومنا، حينها لو أني وجدت خنزيراً، أؤكد لك أني كنت سأقتله والتهمه"، قالها مجد وهو يطلق في نهاية كلامه ضحكة واسعة، وكأنه يقول طرفة.
في زامورا ، لا يزال غالبية الناس يقومون بعملية ذبح الخنازير في فصل الشتاء، وبطريقة، يجدها البعض قاسية، فبعد تثبيت خطاف في الحلق، يتم طعن الحيوان في رقبته، وينتظرون إلى أن ينْفق، وفي هذا السياق، يوضح مجد الدين أن المسلمين حينما يذبحون الحيوانات كالخراف أو البقر أو الدجاج، فإنهم يضعون وجه الذبيحة باتجاه مكّة المكرمة ثم يقومون بذبح الحيوان بسرعة بعد أن يرددوا الأذكار.
اللحم الحلال
مجد الدين، لا يجد صعوبة في العثور على اللحم الحلال في المدينة ذات الأغلبية الكاثوليكية، كما أنه لا يجد ما يحول دون ممارسته لشعائره الدينية، فثمة مسجد في المدينة التي يعيش فيها نحو ألف ومئة مسلم (وفقاً لمرصد الأندلس)، ويصلي في المسجد الرجال والنساء أيضاً.
يؤكد مجد الدين، أن دينه يفرض عليه احترام كافة الأديان والمعتقدات الأخرى، ويشير إلى أن الدين المسيحي هو جزءٌ من العقيدة الإسلامية، وفيما يتعلق بالحجاب الإسلامي يوضح مجد الدين أن البعض ينظر مستغرباً إلى المرأة المحجبة، غير أن تلك النظرات لا تحمل ما يشي بعدم الاحترام.
مجد الدين، يعتبر أن زامورا باتت هي موطنه، على الرغم من أن حنيناً يشدّه إلى وطنه الأم سوريا التي كان غادرها في العام 2013 متوجهاً إلى لبنان حيث عاش ثلاث سنوات قبل أن يغادر إلى إسبانيا، يقول عن زامورا، "هذه هي بلدي، لأن بلدي (سوريا) لم تعد موجودة"، مستطرداً بالقول: "الجميع هنا؛ جيراني، زملائي في العمل، أصدقائي ومعارفي.. الآن هؤلاء هم أهلي وناسي".
المصدر: الدار – EURONEWS