على الرغم من جلل المصاب، إلا أن المملكة المغربية، ملكا وشعبا، أبانت عن قدرتها على تخطي تبعات زلزال الحوز، ليس فقط من خلال احتواء الأزمة بمختلف تداعياتها وآثارها السلبية، بل وجعل هذه الأخيرة فرصة لتجديد التلاحم بين مختلف الأطراف وأيضا للنهوض بالمناطق المتضررة وإلحاقها بركب التنمية، وهو ما أرساه وشدد عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس من خلال جلسات العمل التي ترأسها، وآخرها تلك المنعقدة بتاريخ 20 شتنبر الجاري.
120 مليار درهم على مدى 5 سنوات و4 مرتكزات أساسية تعنى بالساكنة والمجالات الترابية والعجز الاجتماعي والأنشطة الاقتصادية أيضا، هي مقومات البرنامج الذي سطر له جلالة الملك خلال جلسة العمل الثالثة التي ترأسها. برنامج مندمج ومتكامل الأركان سيستهدف حوالي 4.2 مليون نسمة عبر 6 مناطق هي مراكش، الحوز، تارودانت، شيشاوة، أزيلال، وورزازات. هذا هو الرهان الذي يواجهه مختلف الفاعلين، والذي يستوجب رفع التحدي بحشد الهمم وحرص على التقائية المقاربات.
مرت قرابة الأسبوعين على حدوث الزلزال، وخلال هذه الفترة شهدت المملكة المغربية مختلف مراحل تدبير الأزمات، إذ انتقلنا من هاجس الإنقاذ والإغاثة إلى هاجس الإيواء والإعمار، لنصل أخيرا إلى مرحلة التخطيط لواقع مغاير بناء على النظرة الاستباقية والحكامة النموذجية لجلالة الملك، القائمة على السرعة والفعالية والدقة والنتائج المقنعة، بغية تحقيق برنامج إعادة بناء وتأهيل سيكون بمثابة النموذج الأمثل للتنمية الترابية المندمجة والمتوازنة.
المغرب اليوم أمام منعطف جديد وعهد آخر للتنمية، يتقاطع ومخطط التنمية قيد التنفيذ بمختلف ربوع المملكة، فإعادة البناء هنا لا تحيل فقط إلى ترميم البنى التحتية وإعادتها إلى الحال الذي كانت عليه قبل الزلزال، بل يطمح إلى تأهيلها وتطويرها وفق تصور يخدم التوجهات التي جاء بها هذا البرنامج الذي يرتكز على فك العزلة وتسريع امتصاص العجز الاجتماعي بما يثمن المبادرات المحلية ويخلق دينامية اقتصادية من شأنها ضمان مقومات العيش الكريم للساكنة المعنية.
هذا وتعزى الاستجابة السريعة والمنسجمة والتدبير الرزين لتداعيات الزلزال إلى القيادة الحكيمة لجلالة الملك منذ اللحظات الأولى التي أعقبته، حيث وضع جلالته خارطة طريق واضحة وشاملة أسست لإجراءات آنية ومتوسطة المدى كانت آثارها واضحة على أرض الواقع، من إيواء للمتضررين وإعادة فتح الطرق واستئناف تدريجي للحياة العادية. وتتجه المملكة الآن نحو إجراءات بنفس تطلعي تروم نموذجا تنمويا مستداما يكرس لكرامة المواطن أولا، عبر الإنصات الدائم للساكنة المحلية وإيلاء الأهمية الضرورية للبعد البيئي والحرص على احترام التراث المتفرد وتقاليد وأنماط عيش كل منطقة.