هل هناك خلاف أميركي إسرائيلي؟
الدار/ تحليل
فجأة يطلق الرئيس الأميركي جو بايدن تصريحا أسال الكثير من المداد عندما اعتبر أن إسرائيل تفقد زخم الدعم الدولي الذي حصلت عليه منذ بداية العدوان العسكري على قطاع غزة. بدا هذا التصريح للوهلة الأولى مفاجئا بل مبشرا ومفرحا لكثير من الأوساط لا سيّما العربية والمتعاطفة مع سكان قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية. وزاد هذا التفاؤل بعد أن أطلق المستشار العسكري لواشنطن تصريحا آخر يتحدث فيه عن ضرورة وضع سقف زمني للعملية العسكرية لا ينبغي أن يتجاوز نهاية العام الجاري. ما سرّ هذا الانقلاب في الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل؟ هل هي الحسابات الانتخابية أم المناورات الدبلوماسية؟
تزامنت هذه التصريحات مع إقرار مجلس الأمن قرارا جديدا يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة. ويأتي أيضا في ظل تنامي موجات الغضب في الرأي العام العالمي تجاه الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ضد المدنيين العزّل، لا سيما من الأطفال والنساء والشيوخ. هذا التصاعد في التعاطف مع الشعب الفلسطيني يؤشر إلى الهزيمة الإعلامية والأخلاقية مُنيت بها إسرائيل على الصعيد الدولي. لكنّ هناك مؤشرات أخرى لا تقلّ أهمية قد تفسّر هذا التململ في المواقف الأميركية. صحيح أنها ما تزال داعمة لإسرائيل ومساعدة لها لوجستيا وماليا وسياسيا في خوض معركة غزة، إلا أنها مع ذلك يمكن أن تعكس تحولات مرتقبة في هذه الحرب.
من بين هذه العوامل أيضا توسّع احتمالات الحرب الإقليمية بعد أن أقدمت جماعة أنصار الله في اليمن على اتخاذ إجراءات حظر مرور السفن المتوجهة إلى إسرائيل، وتطبيق هذه الإجراءات ضد مجموعة منها. يحدث ذلك أيضا في ظل تزايد الهجمات على المصالح والمواقع العسكرية الأميركية في المنطقة سواء في العراق أو سوريا أو سواحل البحر الأحمر. لكن يبدو أن السبب الأكثر وجاهة هو حرص الأخ الأكبر (واشنطن) على مصلحة الأخ الأصغر (إسرائيل) عندما يلاحظ اندفاعه نحو مغامرات عسكرية غير محسوبة العواقب. على سبيل المثال ترفض الولايات المتحدة الأميركية رفضا باتا فتح إسرائيل جبهة جديدة في الضفة الغربية، بدلا من التركيز على قطاع غزة.
سبب هذا التخوف نابع من معرفة الأميركيين بالقدرات المحدودة لإسرائيل على خوض حروب عدّة في الوقت نفسه، واحتمال توسّع المواجهة بشكل يهدد استقرار إسرائيل وأمنها، بل ويكشف مرة أخرى على غرار ما حدث في 7 أكتوبر، هشاشة منظومتها العسكرية ونقص الخبرة الكبير الذي يميّز قواتها. ولعلّ واشنطن التي سارعت إلى إطلاق تصريحات بمثابة إشارات تحذيرية ليس ضد إسرائيل ولكن لمصلحتها، قد اتخذت هذا القرار بناء على التقارير اليومية التي تصلها حول خسائر الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. سقوط العشرات من الضباط والجنود بصفة يومية في معارك الشجاعية وخان يونس يفزع واشنطن ويدفعها إلى محاولة كبح جماح الاندفاع الإسرائيلي الجنوني في القطاع.
ما حدث قبل يومين على سبيل المثال في الشجاعية وأسفر عن مقتل أكثر من 15 جنديا إسرائيليا بينهم 9 ضباط يمثل إشارة تحذيرية خطرة تدرك واشنطن أكثر من تل أبيب نفسها مدى تأثيرها السلبي في المجتمع الإسرائيلي وتداعياتها المحتملة على مسار الحرب الدائرة هناك. في الحقيقة تبدو واشنطن حريصة على حماية إسرائيل من جنونها الذي دفعها إلى أتون معركة طاحنة لم تعد قادرة على التراجع عنها ولا على تحمّل تبعاتها الأخلاقية والسياسية في المنتظم الدولي. بعبارة أخرى وقعت إسرائيل في مستنقع غزة، وتبحث واشنطن اليوم عن السبل الكفيلة بإنقاذها بأقل الخسائر والأضرار.