كيف نجح المغرب في الفوز بكأس الصداقة الإفريقية؟
الدار/ افتتاحية
العلم المغربي الذي رفرف بالأمس خفّاقاً في ملعب الحسن واتارا بأيدي لاعبي منتخب ساحل العاج لم يكن مجرد شكر على الدور الذي لعبه المنتخب الوطني في تأهيل نظيره الإيفواري إلى الدور الثاني من منافسات كأس إفريقيا للأمم. هذه المبادرة المفعمة بالرمزية تتخطّى الأبعاد الرياضية الصّرفة لتؤكد أن بصمة المغرب في قلوب الأفارقة بلغت مدىً كبيراً من الوفاق والودّ والانسجام الذي ظهرت بعض ملامحه في هذه البطولة. لقد حاز منتخب ساحل العاج هذه الكأس الإفريقية الغالية عن جدارة واستحقاق، ولم يقتصر النجاح على لاعبي المنتخب بل شمل أيضا الجوانب التنظيمية التي أبهرت المشاركين في هذه البطولة. وهنا تحضر أيضاً سمعة المغرب وصورته الساطعة في القارة السمراء.
اللاعبون الإيفواريون الذين حملوا العلم المغربي وجابوا به جنبات الملعب واحتفوا به مع الجماهير لا يشكرون فقط أشبال وليد الركراكي بل يعبّرون أيضا عن امتنان كبير لساحل العاجل رئيسا وحكومة ولاعبين وجمهورا على كلّ ما قدّمه المغرب من جهود لإنجاح هذه الدورة. الجهود الأولى التي بذلتها المقاولات المغربية من خلال المشاركة في أعمال بناء الملاعب وتشييدها وتجهيزها وتوفير الخدمات التقنية والفندقية والبنيات التحتية كي تكون مدن أبيدجان وسان بيدرو وغيرهما مهيئة لاستقبال ضيوف ساحل العاج. الجهود التي بذلها الجمهور المغربي الذي نشّط أجواء المباريات في الدور الأول وأسهم في إنجاح المتابعة لهذه الدورة الإفريقية. والجهود التي بذلها المؤثرون المغاربة والصحافة الرياضية والإعلاميون في إظهار دولة ساحل العاج بعمقها وبعدها الإفريقي الأصيل.
يجب ألّا ننسى أن ما قدّمه بعض المؤثرين من صور وفيديوهات ومقاطع منقولة من عين المكان إلى المتابعين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أظهر جوانب الدفء الإنساني وحفاوة الاستقبال التي تميّز الإنسان الإيفواري ومدى استعداده لبذل كل ما في وسعه من أجل إنجاح العرس الكروي. الدليل على ذلك أن وزير السياحة في دولة ساحل العاج لم يتردد في استقبال العديد من المؤثرين المغاربة وشكرهم وتكريمهم على المحتوى الإيجابي الذي قدّموه عن بلاده. ثم هناك هذا التنسيق والتفاهم الكبير بين بلدين وقائدين إفريقيين يحبّان إفريقيا ويحلمان بدفعها نحو المستقبل المشرق. الملك محمد السادس وشقيقه الحسن واتارا اللذان يجسدان نموذج الأخوة الإفريقية بامتياز.
لذا ليس من المستغرب بتاتا أن يرتفع العلم المغربي خفاقا إلى جانب العلم الإيفواري في ملاعب ساحل العاج لأن الإنسان الإفريقي عموما لا ينسى أبدا من وقفوا إلى جانبه وأسْدوا له الخدمات اللازمة لا سيّما في مثل هذه المناسبات الكبرى. لقد نجحت السياسة الدبلوماسية للمغرب في إفريقيا نجاحا باهرا وها هي ذي تحصد نتائج هذا النجاح بالملموس وأمام أنظار العالم. نادرا ما نرى هذا النوع من العرفان والامتنان في مثل هذه المناسبات، لم يسبق لنا أن رأينا منتخبا أوربياً أو آسيوياً أو حتى إفريقيا يحمل علم بلد آخر ويحتفي به كلّ هذا الاحتفاء. وهذا أكبر دليل على أن التأثير المغربي يتجاوز المستوى الكروي ويصل إلى المستوى الوجداني والعاطفي العميق في غرب إفريقيا على الخصوص.
صحيح أن منتخبنا الوطني أُقصي مبكرا في الدور الثاني من المنافسات الإفريقية، لكنّه حقّق التأهل على مستوى الصورة والسمعة الرائدة بين الشعوب الإفريقية، وظلّ العلم المغربي يرفرف في ملاعب كأس إفريقيا حتّى بعد مغادرة لاعبي المنتخب وعودتهم إلى أنديتهم الأصلية. وهذا يعني أن الإنجاز التاريخي الذي حقّقه المنتخب الوطني في كأس العالم بقطر، يتحقّق اليوم بصيغة أخرى مختلفة في القارة السمراء، بعد أن نجحت بلادنا مرة أخرى في حشد الإجماع والإعجاب والاحترام بين الجماهير الكروية الإيفوارية. ومثلما بهرنا العالم في قطر وجمعنا من حولنا الجماهير العربية التي شجعتنا بالملايين استطعنا في هذه الكأس الإفريقية أن نجمع وراء راية بلادنا ملايين الإيفواريين الأوفياء والمخلصين لمعنى الصداقة الإفريقية.