أخبار الدارسلايدر

موجة استدعاء سفراء الجزائر في إفريقيا تتواصل.. ما دلالاتها؟

الدار/ افتتاحية

في ظرف أقل من شهرين يتم استدعاء سفيرين من سفراء الجزائر في دولتين إفريقيتين كبيرتين. في أواخر شهر دجنبر الماضي استدعت السلطات المالية سفير الجزائر في باماكو للاحتجاج على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد والاتصال بمنظمات انفصالية تحت غطاء المشاركة في عملية السلام. ويوم الاثنين الماضي استدعى وزير الخارجية الكونغولي كريستوف لوتوندولا سفير الجزائر محمد يزيد بوزيد وطالبه بتقديم توضيحات حول زيارة رئيس الأركان الجزائري السعيد شنقريحة لرواندا في 19 فبراير الجاري. والسبب وراء هذا الاحتجاج يرتبط أيضا بتورط النظام الجزائري في دعم متمردين مسلحين على التراب الكونغولي عن طريق تعزيز العلاقات مع رواندا.

القاسم المشترك بين الحالتين هو اتهام نظام الكابرانات بالتورّط في دعم المنظمات والحركات الانفصالية والمتمردة في بلدين إفريقيين يكافحان من أجل تعزيز استقرارهما وحماية وحدتهما الترابية. هذا يعني أن هذا النظام العسكري لا يزال مصرّاً على ممارسات قديمة ومتجاوزة موروثة من حقبة الحرب الباردة عندما كانت الدول التي تسعى إلى فرض نفوذها تعمل على تأجيج أوار الخلافات والنزاعات الانفصالية والحدودية واستثمارها لتحقيق أغراض استراتيجية أو سياسية أو إيديولوجية. هذا النمط من التآمر الدولي على غرار الطريقة القذافية هو الذي استنزف ميزانيات كبرى لهذه الأنظمة العسكرية التي كانت تهدف إلى تصدير نموذجها السياسي الفاشل إلى مناطق أخرى من القارة الإفريقية.

كلّما اتّجهت الأوضاع نحو المزيد من الاستقرار والتهدئة يعود نظام الكابرانات إلى محاولة إثارة الفتن والقلاقل حتّى في مناطق بعيدة نسبيا عن المحيط الإقليمي للجزائر. عندما قطعت السلطات المالية على سبيل المثال أشواطا مهمة في تعزيز الاستقرار وحسم الخلافات الداخلية مع منظمات الطوارق الانفصالية تتدخل السلطات الجزائرية في هذا النزاع في محاولة مكشوفة لتأجيج الصراع وإحيائه من جديد. ما مصلحة نظام الكابرانات في دعم المتمردين الكونغوليين الذين يحظون أصلا بدعم رواندا؟ نحن ندرك جيدا أن الدافع الأساسي لهذه الحركات الخبيثة هو محاولة التضييق على الدول الإفريقية التي تعزّز علاقاتها مع المغرب وتقرر سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية أو فتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية.

لكن ما ذنب هذه الدول الإفريقية وشعوبها كي تدفع ثمن سياسات الكابرانات الحاقدة؟ نحن نعاني في المغرب منذ عقود من تحريض الجزائر ضد وحدتنا الترابية واستقرار بلادنا، واعتدنا التعامل مع هذه الكراهية وهذا التآمر، لكن من الواضح أن هذه الصفعات التي يتلقّاها سفراء الجزائر تباعا في العديد من الدول الإفريقية وقبلها الدول العربية والأوربية تعكس أزمة عميقة في تدبير العلاقات الخارجية للبلاد. وهي تُظهر أيضا أن الحرص على استدامة بؤر الانفصال والتوتّر في القارة الإفريقية يمثل الخيار الدبلوماسي الوحيد الذي يتقنه هذا النظام. لا يتحمّل الكابرانات أبدا أجواء الاستقرار أو استتباب الأمن والسلم في مناطق من القارة الإفريقية. لهذا يبدو هذا النظام مستعدا لإنفاق مليارات البترودولار على تمويل صفقات السلاح لفائدة جماعات ومنظمات انفصالية تقاتل ضد أنظمة سياسية وحكومات مستقرة.

الخلافات بين رواندا والكونغو تعكس في نهاية المطاف نزاعا بين جارين يمكن في أيّ لحظة من اللحظات أن يتوصّلا إلى اتفاق ينهي الصراع ويكرّس التعاون والتفاهم. وعلى العموم يظل هذ النزاع بينهما مبرّراً بمنطق الجغرافيا والتاريخ والارتباط القبلي والعرقي، لكن التدخّل غير المبرر بتاتا هو هذا الذي تورّط فيه اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة عندما قرّر فجأة أن يسافر إلى كيغالي ويعبر عن استعداده لدعم الحركات المتمردة ضد بلد ذي سيادة كالكونغو. لهذا من الطبيعي أن تتواصل موجة استدعاء سفراء الجزائر في الدول الإفريقية ما دام هذا النظام يصرّ على تجاهل سيادة الدول الإفريقية والتدخل في شؤونها الداخلية واستغلال أزماتها للترويج للفكر الانفصالي ودعم حركاته ومنظماته أينما وجدت.

زر الذهاب إلى الأعلى