أخبار الدارسلايدر

لماذا اتخذ الكابرانات قرار الانتخابات الرئاسية المبكرة؟

الدار/ افتتاحية

فجأة يعقد النظام الجزائري اجتماعا طارئا برئاسة الرئيس الدمية عبد المجيد تبون وحضور الرئيس الفعلي اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة ومجموعة من المسؤولين للإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية المبكرة في شتنبر المقبل بعد أن كان مقررا عقدها في نهاية السنة الجارية. قرار يأتي بعد أسابيع قليلة فقط من الجدل الذي أثارته تقارير إعلامية فرنسية تحدثت عن احتمالية تأجيل الانتخابات الجزائرية عن الموعد الذي كان مقررا لها. يبدو إذاً هذا الإعلان المبكر نوعا من ردّ الفعل على تداول فرضية التأجيل التي تعدّ بالمناسبة مسألة روتينية يمكن أن تحدث في أيّ نظام سياسي آخر إذا اقتضت الظروف ذلك.

ولكن لأن نظام الكابرانات كان كما عادته قد وجّه أصابع الاتهام إلى المغرب بشأن تداول خبر التأجيل، فقد كان من المتوقع أن يتصرف مرة أخرى بهذه الانفعالية الصارخة ويتخّذ قرارا حتّى إن كان متسرعا وغير مدروس من أجل الردّ على هذه الأخبار، اعتقادا منه أنها تمثل ضربة موجهة إلى مصداقيته أو نزاهته. الحذر المفرط والمرَضي أصبح جزءاً من عقلية هذا النظام لذا من المتوقع أن يلجأ إلى أيّ قرار مهما كان خطِرا أو متهورا فقط للاستجابة لأوهام المؤامرة التي يراها في كل ركن وكل جهة. وهذا مظهر من مظاهر الغباء السياسي الذي يميز نظام الكابرانات كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في مناسبات عديدة.

هل من المعقول أن يتم اتخاذ قرار بهذه الأهمية علما أن الانتخابات الرئاسية كان لها موعد دستوري مقرّر من قبل؟ إن الإعلان عن الانتخابات المبكرة قرار ينبع عادة من ضرورات سياسية واضحة ومبرّرة، منها مثلا الحاجة إلى إعادة بناء تحالف حاكم أقوى أو تجاوز خلافات جوهرية تهدد استقرار البلاد أو بسبب الحاجة الماسة إلى تعزيز تماسك الجبهة الداخلية. في الحالة الجزائرية لا يوجد أيّ مبرر من هذه المبررات ببساطة لأن البلاد تحت سيطرة نظام عسكري مستبد ومستفرد بكل القرارات، ويفرض سلطته بقوة الحديد والنار، ويدرك الجميع بما في ذلك المواطنون الجزائريون البسطاء أن اللعبة السياسية والتعددية المفبركة في الجزائر مجرد ذر للرماد في العيون.

حتّى الانتخابات بالنسبة إلى المواطن الجزائري هي مجرد عبء إضافي على الدولة وفرصة لإهدار المزيد من الوقت والمال الذي تحتاج إليه البلاد من أجل حل معضلاتها الجوهرية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية. قد نكون متسرّعين قليلا في اتهام هذا النظام بالغباء، فربّما يكمن وراء هذا القرار القاضي بتبكير الانتخابات الرئاسية قدر لا يُستهان به من الخبث السياسي والدهاء الاستراتيجي. يبدو أن هذا النظام يريد من جهة أخرى أن يغتنم تداول أخبار تأجيل الانتخابات ويحوّلها إلى ذريعة لتبرير قرار خوض الانتخابات قبل موعدها المقرّر لغايات تهمّه على رأسها ربح المزيد من الوقت وإطالة عمر البنية الحاكمة برئاسة الرئيس الحالي.

يدرك الكابرانات أن الانتخابات ستدور دون وجود أيّ منافس حقيقي، ليس لأن تبون رئيس لم يَجُد الزمان بمثله أو أبهرَ شعبه بالإنجازات أو له أفضال كبيرة على الوطن أو استطاع الوفاء بوعوده. لا، كلّ هذا لم يتحقّق أبدا في الولاية الرئاسية الحالية. إن تبكير الانتخابات يمثل هروبا جديدا إلى الأمل ومسارعة إلى فتح صفحة ولاية سياسية جديدة، وإطلاق وعود أخرى وصناعة آمال إضافية تمكّن هذا النظام من تبرير سيطرته وهيمنته على الأوضاع. إن عقد اجتماع لمناقشة الانتخابات المبكرة دون استشارة مكونات المشهد السياسي والهيئات المدنية والحزبية أو فتح نقاش عمومي يتابعه كل الجزائريين في الداخل والخارج يمثل مرة أخرى مظهرا من مظاهر تغوّل العسكر واستحواذهم على حاضر الجزائريين ومستقبلهم.

زر الذهاب إلى الأعلى