أخبار الدارسلايدر

بعد قرار مجلس الأمن.. هل تحاول واشنطن إنقاذ إسرائيل من نفسها؟

الدار/ افتتاحية

القرار الذي تبنّاه مجلس الأمن ويقضي بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة خطوة أولية نحو الانتقال إلى مرحلة تالية في العدوان الإسرائيلي على القطاع. وامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت للسماح بتمرير القرار إشارة سياسية ودبلوماسية واضحة إلى الحرج الذي تشعر به إدارة بايدن داخليا ودوليا بعد أن بلغ العدوان أقصى مستوياته في التنكيل بالشعب الفلسطيني والمدنيين الأبرياء في غزة عن طريق القصف والتجويع والاجتياح الذي لا يميّز بين مقاتل ومواطن أعزل. من الواضح أن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يمكن أن يتوقف طبعا، وما حصل في مجلس الأمن لا يمثّل بأي حال من الأحوال تغيرا جذريا في السياسة الأميركية التي تحافظ على ثوابت المساندة المطلقة لتل أبيب.

لكن بالمقابل يبدو أن التوقيت الذي سمحت فيه واشنطن بتمرير هذا القرار دون أن تواجهه بحق النقض (الفيتو) كما حدث في قرارات عدة منذ 7 أكتوبر، توقيت حاسم ودال للغاية. ومن الواضح أن الدافع وراء هذا الموقف ليس بالضرورة الحرص على سلامة المدنيين أو أمنهم، بل هو في الحقيقة محاولة لحماية إسرائيل من نفسها. تدرك واشنطن أن حكومة بنيامين نتنياهو عاجزة عن تحقيق نصر بيّن في هذه الحرب، وتحقيق أهدافها المعلنة وعلى رأسها اجتثاث حركة حماس والقضاء على قدراتها القتالية. لقد اتّضح بجلاء أن هذا الهدف شبه مستحيل بعد أن قاربت الحرب من شهرها السادس دون جدوى. في المقابل هناك تعثّر واضح للجيش الإسرائيلي الذي يراكم الخسائر البشرية والاستراتيجية على الرغم من تحفّظه على إعلانها.

تستعد واشنطن وفقا لهذه القراءة إلى منح إسرائيل استراحة ضرورية تلتقط فيها أنفاسها وتعيد بلورة أهدافها والاستعداد لها بشريا وماديا ولوجستيا. والخلاف الظاهري الذي نراه اليوم بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن هو في الحقيقة مجرّد اختلاف في وجهات النظر تّجاه الاستراتيجية الناجعة في إدارة هذه الحرب المدمّرة. يبدو أن واشنطن ترى أن مصلحة إسرائيل تكمن حاليا في وقف ولو مؤقت للحرب، ولملمة الجراح وتعزيز الجبهة الداخلية واستعادة شرعية البدايات على المستوى الدولي، قبل أن تواصل معركتها ضد حركة حماس على المدى المتوسط أو البعيد.

ولعلّ هذا الموقف الذي تعبّر عنه واشنطن عن طريق الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة وتعطيل استخدام حق النقض ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، محاولة إضافية للضغط على بنيامين نتنياهو للتراجع عن خطته الهادفة إلى اجتياح منطقة رفح وخوض حرب أخرى ضارية هناك مع مقاتلي حركة حماس. هذه الحرب التي ستكون كارثة إنسانية بكلّ المقاييس بالنظر إلى وجود مئات الآلاف من السكان المدنيين الذين تجمّعوا في هذه المنطقة، ومن ثمّ فإن هذه المعركة قد تشكل مسمارا أخيرا في نعش صورة إسرائيل التي انهارت تماما لدى الرأي العام الدولي بسبب الفظاعات التي اقترفتها منذ بدء هذا العدوان.

لقد بذلت الولايات المتحدة الأميركية ما في وسعها للتغطية على هذه الفظاعات وحفظ ماء وجه الحليف الاستراتيجي، لكنّ مغامرة رفح يمكن أن تضرب كلّ هذه الجهود التضليلية في مقتل، وتقضي تماما على المبرّرات التي كانت الدول الغربية تقدّمها منذ انطلاق العدوان باعتباره حرباً عادلة تحاول من خلالها إسرائيل الدفاع الشرعي عن نفسها. قد تكون الكلفة البشرية والإنسانية لهذه الحرب هي الأكثر فداحة من نوعها منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، لكنها تمثل أيضا الحدث الأكثر إضرارا بسمعة إسرائيل حتّى في أوساط المجتمعات التي كانت تدعمها في السابق. لذا؛ من الواضح أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة جداً في مسار ومصير هذه الحرب، ومن المتوقع أن يكون وراء هذا الخلاف الإسرائيلي الأميركي السطحي نقاش حقيقي في الخفاء من أجل إنقاذ إسرائيل من نفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى