أخبار الدارسلايدر

كيف يسقط نظام عسكري كنظام الكابرانات في فخّ أميرة مزيّفة؟

الدار/ تحليل

تعيش الجزائر هذه الأيام على وقع فضيحة حقيقية بكل المقاييس بعد أن اتّضح أن كريمة الشامي التي اخترقت أجهزة الدولة الجزائرية وباتت مقرّبة من مراكز القرار ليست حفيدة الأمير عبد القادر الجزائري مثلما تروّج له السلطات الجزائرية. إنّها أكبر عملية احتيال يتعرّض لها نظام سياسي بوزاراته وأجهزته الأمنية والمخابراتية ومؤسسته العسكرية على الإطلاق. الأميرة المزيّفة التي تحوّلت منذ بضع سنوات إلى “أيقونة” في المشهد الرسمي الجزائري وأصبحت وجها مألوفا في الاحتفالات الرسمية والمناسبات الوطنية لم تكن سوى امرأة عادية لا يتعدّى مستواها التعليمي وفقا لاعترافاتها السادس ابتدائي ولا تمتّ بصلة لا من قريب ولا من بعيد إلى عائلة الأمير عبد القادر الجزائري.
لا يهمّنا هنا إثبات النسب أو إبطاله لأنّها مسألة حُسمت وتبيّن أنها مجرد أكذوبة، كان النظام الجزائري يحاول أن يصنع منها قشّة تاريخية يتشبث بها وسط التيه والفراغ الحضاري الذي يعانيه الجزائريون. عندما يكون تاريخك الرسمي قد بدأ سنة 1962 فمن الطبيعي أن تحاول صناعة ما يربطك بماضٍ أعرق وإن لم يكن لك أصلا ما يربطك به. الأخطر في هذه الواقعة الغريبة جدا هو كيف سقط نظام عسكري ومخابراتي مثل النظام الجزائري الذي يراقب أنفاس المواطنين على مدار الساعة في فخّ امرأة تعيش في الولايات المتحدة الأميركية بهذه السهولة؟ كيف انطلت هذه الكذبة على كل المسؤولين الجزائريين على الرغم من تشدّقهم الدائم بأنّ الجزائر بلد محصّن من أيّ اختراق؟
إنه اختراق القرن بامتياز. والدليل على ذلك أنّ كريمة الشامي تسللت إلى دوائر القرار في الجزائر حتّى تمكنت من انتزاع وعود بحصولها على منصب وزيرة الثقافة الجزائرية. تخيّلوا مدى هشاشة هذا النظام وغبائه الذي يجعله يقع بهذه السهولة في شِراك امرأة لا تمتلك حتّى الرصيد التعليمي الكافي، ويصل الأمر إلى درجة اقترابها من تحمّل مسؤولية قطاع هام كقطاع الثقافة. ليس لهذا الأمر أيّ تفسير غير أنّ هذا القطاع يمثّل نقطة الضعف الأساسية التي يعانيها الجزائريون ويحاولون بكل ما يملكون من إمكانات ووسائل أن يصنعوا لأنفسهم مجدا ليسوا أهلا له وإرثا ثقافيا لا يمتّ إليهم بصلة. وهذا بالمناسبة هو سرّ التهافت الذي نلاحظه لدى الجزائريين على كلّ ما يتعلق بتراثنا المغربي الأصيل من زليج وقفطان وأطباق شهية.
لقد كانت كريمة الشامي على وشك أن تصبح ناطقة باسم “الثقافة الجزائرية” التائهة بفضل تواطؤ عدد من المسؤولين الجزائريين لولا أن حال بينها وبين ذلك عدم حصولها على شهادة جامعية. لكن لماذا واصلت المخابرات الجزائرية السماح لهذه المرأة بادعاء نسبها إلى الأمير عبد القادر الجزائري على الرغم من معرفتهم بحقيقتها؟ هذا هو السؤال المحيّر للكثير من الجزائريين. لكنّه بالنسبة إلينا في المغرب ليس كذلك. فالجواب ببساطة هو أنّ هذا النظام الفاشل لا يمكن أن يعترف بفشله ويقرّ بإخفاقه في حماية البلد من عملية نصب بهذا المستوى من التزييف والتضليل والتلاعب. ما ذنب الجزائريين الذين كانوا يشاهدون كريمة الشامي وهي تحضر احتفالات عيد الاستقلال وتُقدَّم في محافل الأعمال الخيرية والاجتماعية باعتبارها شخصية تنتمي إلى تاريخ الجزائر؟
ذنبهم الوحيد هو أنّهم وثقوا في نظام يقدم نفسه باعتباره قوة ضاربة، وهو لم يستطع أن يكشف حقيقة محتالة واحدة تمكّنت من تضليل شعب بأكمله والاحتيال على ملايين المواطنين الجزائريين ومنحهم أملا بوجود جذور تاريخية لهذا البلد الذي صنعه الاستعمار، ولم يستطع أن يخلق لنفسه انتماءً لمحيطه وماضيه. لقد وجّهت مؤسّسة الأمير عبد القادر في الخارج اتهامات مباشرة إلى هذه المرأة بالكذب والتضليل لكنّ السلطات الجزائرية أصرّت على مواصلة الاحتيال ودفع الناس دفعاً إلى تصديق الكذبة لأنّها تسدّ ولو جزءاً بسيطا من الفجوة التاريخية التي يعانيها هذا النظام. والأغرب من هذا هو كيف يدّعي أتباع جبهة الإنقاذ اليوم هذه الصلة الوهمية بالأمير عبد القادر على الرغم من نزوعهم “الثوري” المزعوم؟ إنّه نظام الكابرانات يا سادة.

زر الذهاب إلى الأعلى