أخبار الدارسلايدر

هل ستتأثر العلاقات المغربية الفرنسية بفوز اليمين المتطرف؟

الدار/ تحليل

تتجه نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا نحو فوز بيّن بل ساحق لحزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبين، ليكون أول حزب يميني متطرف يحصل عل الأغلبية المطلقة في البرلمان الفرنسي. وعلى الرغم من أن هذه النتائج تنتظر التأكيد بإجراء الجولة الثانية من الانتخابات يوم الأحد المقبل فإن المؤكد أن فوز اليمين أضحى حقيقة أقرب إلى التحقق أكثر من أي وقت مضى. فما الذي يعنيه هذا الفوز بالنسبة للمغرب؟ وهل يمكن أن تتأثر مصالح بلادنا مع فرنسا من هذه النتائج؟
من الضروري التذكير بأن الأمر يتعلق بانتخابات تشريعية تمثل المدخل الرئيس لتشكيل الحكومة الفرنسية لكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن الفوز بهذه الانتخابات لا يعني الاستحواذ الكامل على السلطة بالنظر إلى أن رئاسة الدولة تظل ذات صلاحيات وسلطات واسعة في النظام السياسي الفرنسي. من المحتمل إذاً أن تؤدي الانتخابات التشريعية في حال فوز اليمين المتطرف إلى خيارين: إما تشكيل حكومة وفق منطق التعايش بين الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ينتمي إلى حزب من الأحزاب الجمهورية ومارين لوبين التي ترأس الحزب اليميني المتطرف. التعايش في النظام السياسي الفرنسي حالة استثنائية تحدث عندما يكون الفائز بمنصب الرئاسة والفائز بالأغلبية البرلمانية ينتميان إلى هيئتين حزبيتين مختلفتين.
حدث هذا التعايش على سبيل المثال عندما فاز حزب جاك شيراك بالأغلبية البرلمانية تحت رئاسة الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتراند. الخيار الثاني هو أن يدعو الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة لتحقيق الانسجام بين السلطة التنفيذية التي يمثلها والسلطة التشريعية التي فاز بها الحزب اليميني. لكن هذا الدعوة تظل مستبعدة بالنظر إلى أن التعايش في النظام السياسي يمثل رمانة الميزان التي لا غنى عنها لضبط الإيقاع السياسي وعدم الجنوح نحو توجهات جد متطرفة. لقد كان التيار اليساري والاشتراكي في الماضي مصدر إزعاج وقلق بالنسبة إلينا بالنظر إلى تاريخ الابتزاز الحقوقي الذي كانت تمارسه هذه الأحزاب خلال الثمانينيات والتسعينيات على الخصوص. لكن من الواضح أن علاقات المغرب وفرنسا قد تغيرت كثيرا في العقدين الأخيرين.
هناك خروج واضح عن النمطية الأيديولوجية التي كانت سائدة في الماضي، وأضحت فرنسا بمرور الوقت تدرك أن علاقاتها مع المغرب يجب أن تخرج من نطاق الاستغلال السياسي ولا سيما بعد أن تعالقت المصالح الاقتصادية إلى أبعد مدى. حجم المصالح الفرنسية في المغرب أصبح متفوقا على أي حسابات سياسية أو أفكار مرتبطة بالداخل الفرنسي. هذا يعني أن كل النقاشات التي تتحدث عن مراجعات معينة يمكن أن يقوم بها اليمين المتطرف فيما يتعلق بمصالح فرنسا مع دول شمال إفريقيا، لا تخرج عن دائرة المزايدات والحملات الانتخابية العابرة. هل تستطيع مارين لوبين أن ترحّل مصانع رونو من طنجة؟ وهل يمكن أن تفكر في إغلاق فروع الأبناك والمقاولات الفرنسية؟
لا بد من أن نعترف بأن انفصال السياسي عن الاقتصادي، واستقلالية القرار المالي واقع تحقق في الدول الغربية منذ زمن طويل. لم يعد للسياسيين كلمة مسموعة أو رأي يُطاع لدى الهيئات الحزبية والمسؤولين الاقتصاديين، بل أضحى الرؤساء والمنتخبون في أغلب هذه الدول تبعاً لتكتلات ولوبيات ضاغطة من أرباب المصالح والمقاولات. والأكثر مدعاة للتفاؤل فيما يخص العلاقات مع المغرب هو أنها شهدت في الآونة الأخيرة تحسنا كبيرا، بل دخلت مرحلة جديدة سبق أن وصفها وزير الخارجية الحالي بالشراكة الجديدة. من المؤكد أن أفكار مارين لوبين وتيارها السياسي المعادية للأجانب منبوذة وغير مرغوب فيها، وقد تؤثر في مصالح أبناء الجالية المغربية من المهاجرين المقيمين هناك، لكن مع ذلك تظل المصالح الاستراتيجية الفرنسية خارج نطاق أي تهديد لأنها أكبر من حزب لوبين أو تيار سياسي في فرنسا. ولكن هذا الواقع المريح لا ينفي أن الدبلوماسية المغربية مقبلة على مرحلة مختلفة تتطلب يقظة أكبر خصوصا أننا كنا ننتظر منذ فترة ليست بالقصيرة من فرنسا اعترافا بمغربية الصحراء على غرار ما أقبلت عليه دول أخرى كالولايات المتحدة الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى