أخبار الدارسلايدر

لماذا يصر قادة الكابرانات على إهانة أفراد الجيش الجزائري؟

 الدار/ تحليل

المهزلة التي تدور كل سنة في أكاديمية شرشال العسكرية بالجزائر بمناسبة تخرج فوج العسكريين الجدد أصبحت مصدر إحراج وانزعاج للعديد من المواطنين الجزائريين أنفسهم. حجم السخرية من مشاهد “اللبؤة” المزعومة التي تقهر المحاربين وتصرخ بأعلى صوت وتتمكن من تطويع قضبان الحديد كبير للغاية، بل أضحت مقاطع الفيديو التي تظهر فيها هذه الجندية الحسناء مورداً للعديد من صناع المحتوى الساخر من الجزائريين وغيرهم. والذي زاد طين السخرية بلّةً هذا العام هو التفاعل اللامبرر والمصطنع الذي أظهره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عندما تظاهر بالرغبة في ذرف الدموع وهو يسمع كلماتٍ تتغنى ببلاده.
لكن المشكلة أن العرض العسكري الذي أثار هذه العواطف “التبونية” الجياشة ينتمي إلى عهد بائد، ولم يعد يقنع حتى الأطفال بما يحتويه من مشاهد تمثيلية واضحة. من الغريب جدا أن يفشل نظام عسكري كنظام الكابرانات في تنظيم عروض عسكرية مهيبة ومبهرة فعلا للجماهير والمدعوين من المسؤولين المحليين والأجانب. من المفروض أن يكون هذا النظام قد كوّن خبرة كافية تمكنه من تقديم عروض تبرز فعلا قوة الجيش وشجاعة أفراده بعيدا عن تلك التمثيليات الشبيهة بعروض الهواة في رياضات فنون الحرب كالكاراتيه والجيدو والتايكواندو. والأكثر مدعاة للسخرية والحرج في هذه المشاهد أنها تحدث فقط في الجزائر.
نعم وحده هذا النظام يصر على إهانة أبنائه من المنتمين إلى الجيش بوضعهم في هذه المشاهد المضحكة، في زمن الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة والحروب الذكية. هل هناك جيش آخر في هذه الدنيا يواصل تقديم هذه المهازل الصبيانية؟ قوة الجيوش لم تعد تُقاس بقوة أفرادها ومدى قدرتهم على طي الحديد أو تمزيق اللحم النيء بأسنانهم أو وضع المساحيق السوداء المخيفة على وجوههم. هناك حروب كاملة تُدار من غرف مغلقة باستخدام تقنيات جد حديثة قادرة على إلحاق دمار وضرر كبير بالجنود من بعيد ودون احتكاك مباشر. كأن هذه العروض التي يقدمها نظام الكابرانات بهذا الأسلوب المضحك محاولة يائسة للتغطية على فشل المؤسسة العسكرية في تطوير قدراتها العسكرية، وعدم توفرها على أي عُدة صالحة لمواكبة العصر وتطوراته ومقتضياته.
بدلاً من إظهار التطور الذي وصلت إليه الأكاديمية العسكرية في ميدان التكوين وتأهيل أفراد وعناصر الجيش الجزائري على المستوى الاستراتيجي والتقني والتكتيكي يحاول قادة الكابرانات إلهاء المواطنين الجزائريين بهذه العروض التي أكل عليها الدهر وشرب. الصراخ والشعارات المتجاوزة والعنترية لم تعد تجدي شيئا في ميادين الحروب والقتال. استعراض العضلات جزء لا يتجزأ من هذه العقلية المتقادمة التي ما تزال تسيّر الشأن العسكري في الجزائر، وتتجاهل ما يحدث حولها من تطوير في الخطط والمعدات واستراتيجيات الحروب. إذا كان الجيش الجزائري يعول على “اللبؤة” الحسناء لرفع التحديات الأمنية العديدة المحدقة بالمنطقة فيمكننا أن نؤكد أن أمن البلاد واستقرارها في “أيدٍ غير أمينة” بتاتا.
لكن ما العمل إذا كانت القيادة العسكرية الممثلة في شخص اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة تنتمي إلى جيل قديم ما يزال يؤمن بهذه العنتريات الفارغة؟ شنقريحة البالغ من العمر 79 عاما والذي لم يحظ خلال مساره الشخصي بتعليم عالٍ في مستوى منصبه، لا يمكن أن يفهم هذه الاحتياجات الاستراتيجية الملحة التي تواجه الكثير من جيوش العالم، بسبب إكراهات الاحترافية. ومن الطبيعي أن يرى في هذه العروض المضحكة نوعا من دغدغة المشاعر وطمأنة المواطنين الجزائريين، الغارقين بالمناسبة في حروبهم اليومية مع الماء والحليب والقطاني والسميد وغيرها من المواد التموينية الأساسية. لكن ما غاب عن شنقريحة هو أن هذه العروض لا يمكن أن تثير تعاطف أي شخص عاقل ومتزن، وأن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يبكي بسببها أو يتباكى لأجلها هو مرؤوسه المباشر عبد المجيد تبون.

زر الذهاب إلى الأعلى