جمهور أسود الأطلس يعد بانتصار تمغربيت في أولمبياد باريس
الدار/ تحليل
الحضور المغربي في أولمبياد باريس سيكون مميزا ليس على المستوى الرياضي فحسب بل على المستوى الجماهيري والإنساني أيضا. الأولمبياد تمثل عادة فرصة للتبادل الثقافي والحضاري وتعزيز أواصر الحوار بين الثقافات والتعرف إلى شعوب ودول لم يسبق للكثيرين أن سمعوا بها من قبل. لقد كان هذا هو الهدف الذي وضعه الكونت بيير دي كوبرتان عندما وضع أسس هذا الاحتفال الرياضي الكوني مسترجعا ذلك الإرث اليوناني القديم. ومع ذلك ظلت الألعاب الأولمبية محط أنظار العديد من مراقبي الشأن السياسي أيضا بعد أن تحولت إلى ميدان للصراعات واستعراض القوة مثلما حدث في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي.
نمتلك اليوم كوفد مغربي مشارك في هذه الأولمبياد أبطالا واعدين في شتى الرياضات. لكننا نمتلك بطلا استثنائيا يمكن أن يشكل عنصرا فارقا جدا، لن يساعد على تحقيق الانتصارات وحصد الميداليات فحسب بل سيساعدنا أيضا على ترك بصمة مميزة كتلك التي تركناها في مونديال قطر. إنه جمهور أسود الأطلس. لقد تابعنا جميعا المهزلة التحكيمية التي شهدتها مباراة المنتخب الوطني الأولمبي ضد نظيره الأرجنتيني. ورأينا كيف ثارت ثائرة كل من تابع هذه المباراة مباشرة في الملعب أو خارجه. صحيح أن بعض السلوكيات غير الرياضية لا يمكن بتاتا قبولها، وهذا ما عبر عنه لاعبو المنتخب الوطني انفسهم، ولا سيما أشرف حكيمي، لكن الظلم الذي شهدته نهاية المباراة كان مستفزا إلى أبعد الحدود.
لكن هذا الجمهور الذي حاول البعض الركوب على انفعال بعض عناصره، هو الذي سيخلق بهجة استثنائية في المدرجات خلال هذه البطولة، وسيترك دون شك اثرا ملموسا ستوثقه الصور ومقاطع الفيديو بشعار “سير سير” الذي أصبح إرثا تشجيعيا وطنيا تتناقله الجماهير العالمية. لقد تابعنا كيف أبهر المنتخب الوطني الجمهور الرياضي وألهم الكثير من المحللين الرياضيين ولا سيما في أميركا اللاتينية فرصة التعبير عن الامتعاض من الممارسات التي يلجأ إليها المنتخب الأرجنتيني عادة في مختلف البطولات لتحقيق الفوز. الانتصار على منتخب السيليستي الفائز بكأس العالم وكوبا أميركا الأخيرة ليس إنجازا سهلا. ويؤكد أن الأسود جاهزون فعلا لتحقيق أفضل نتائج المغرب في تاريخ المشاركات الأولميية.
سيتأكد جزء كبير من هذا الحضور في مباراة اليوم أمام المنتخب الأوكراني، ومن المؤكد أن الجمهور المغربي قادر على إثبات المشاركة الحضارية الراقية في هذه الأولمبياد. عندما ستلتقي موهبة اللاعبين المميزين مع حماس الجماهير وصدق تفاعلها وحماسها يستطيع المغاربة أن يرسموا مرة أخرى ملحمة رياضية سيتذكرها العالم جيدا مثلما كان الحال في مونديال قطر. ولعل الدور الذي تلعبه الجالية المغربية المقيمة في فرنسا سيكون له الأثر الكبير في تسجيل هذه المشاركة الاستثنائية. ونحن كمغاربة ليس لدينا رصيد نفخر به أكثر من أفراد جاليتنا الذين كانوا دائما في الموعد المطلوب ولم يخيبوا أبدا ظن منتخباتهم وفرقهم خلال البطولات العالمية.
لذا؛ يحق لنا أن نردد دعما لأشبال السكتيوي “سير سير” ، وهذه المرة نحو التتويج بهذه الأولمبياد التي طال انتظارها. وقد بنت الجماهير المغربية والعربية آمالا كبيرة على هذه النخبة الاستثنائية بعد الانتصار التاريخي في مباراة الافتتاح. نحن قادرون على الفوز، وجمهورنا قادر أيضا على تقديم ابهى الصور الحضارية لأنه لا يحب فريقه الوطني فقط، بل من الموكد أنه يلتزم أيضا بمبادئ هذا الوطن القائمة على الانفتاح وقبول الآخر وحسن الضيافة والانضباط للقيم الإنسانية. هذا سر “تمغربيت” الأصيلة التي توحد المغاربة أينما حلوا أو ارتحلوا. لذلك نحن متفائلون وواثقون أن بعض الانحرافات البسيطة التي قد تصدر عن أي جمهور في العالم لن تغير أبدا من أصالة المشجع المغربي الذي يمثل بلاده أولا وقبل كل شيء.