الجزائر ثالث اقتصاد.. حملة تبون الانتخابية على إيقاع الهذيان
الدار/ تحليل
صمت دهرا ونطق كفرا. لم يستطع تقديم حصيلة مقنعة لعهدته الرئاسية الأولى للناخبين الجزائريين، لكنه تفوق في الكذب وبلغ فيه شأواً لا يُبارى. على مرأى ومسمع من الكابرانات الذين يديرون المشهد في الكواليس يواصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الاستهزاء بأحلام الجزائريين ومطالبهم وطموحاتهم، وقادته جرأته وغياب المحاسبة إلى درجة إطلاق تصريحات سوريالية كشف من خلالها أن الاقتصاد الجزائري يحتل حاليا المرتبة الثالثة على الصعيد العالمي. لم يمض سوى أسبوع واحد على تصريحه الذي طالب فيه بفتح الحدود مع إسرائيل أمام الجيش الجزائري حتى عاد الرجل إلى هذيانه.
لكن ما الذي يدفع الرئيس الجزائري المقبل على الترشح لعهدة رئاسية جديدة إلى سيل الهذيان هذا؟ إنها ببساطة الحصيلة الصفرية والوعود الكاذبة وخيبة الأمل الكبيرة التي حصدها الجزائريون البسطاء على مدار السنوات القليلة الماضية. لا شيء تحقق من الوعود التي أطلقها تبون في بداية عهدته الحالية، لا البنيات التحتية ولا تنويع الاقتصاد الجزائري ولا تأسيس الدولة الصحراوية الوهمية. كل ما حصده هذا النظام هو الفشل والهزائم والفضائح التي لا تنتهي على كافة الأصعدة. وللتغطية على هذا كله ليس هناك وسيلة أفضل من الكذب ليستعين بها تبون. لكن لم يكن أحد يتوقع أن تصل درجة الهذيان في تصريحات الرجل إلى هذا المستوى الذي يضع من خلاله بكل حماقة الجزائر في مصاف الاقتصادات الثلاث الأكبر في العالم.
لنتأمل هذا الاقتصاد الذي يتحدث عنه تبون ونرى ملامح هذا التفوق. إنه اقتصاد قائم بالأساس على تصدير الخام من المحروقات والغاز إلى الدول الأوربية والاعتماد على الريع الناتج عنه في توفير احتياجات البلاد وشراء الأسلحة وتمويل المشاريع الانفصالية وشراء الولاءات السياسية. إنه اقتصاد غير منتج يعتمد أساسا على استيراد المواد الغذائية بنسبة تتجاوز 90 في المائة، ولا وجود فيه لقطاع الخدمات كما تنعدم فيه الأنشطة المالية المتطورة. على سبيل المثال لا توجد شركات جزائرية في ميدان تحويل الأموال كما أن القطاع البنكي متخلف إلى أبعد الحدود، وإذا أردت استيراد سيارة من الخارج فإنك تحتاج إلى المرور عبر مسار بيروقراطي طويل لا نهاية له. هذا هو الاقتصاد الذي يصفه رئيس البلاد بالثالث عالميا.
اقتصاد عاجز عن توفير المواد التموينية الأساسية مثل الحليب والسميد والقطاني وغيرها من المواد المتوفرة في أغلب اقتصاديات العالم بكميات هائلة في الأسواق. الاقتصاد الثالث عالميا هو الذي يصرف فيه المواطن العملات الأجنبية في الأسواق السوداء التي تحميها الدولة، بسبب عجز القطاع البنكي عن توفير هذه الخدمة في ظروف قانونية. الاقتصاد الثالث عالميا هو الذي اعترف فيه الرئيس نفسه مؤخرا بأن بلاده حققت لأول مرة منذ استقلالها إنجازا كبيرا يتمثل في الطهو بالاعتماد على زيت نباتي أنتج محليا. الاقتصاد الثالث عالميا هو الذي يقف فيه المواطن في الطابور يوميا لساعات طويلة من أجل الحصول على لتر من الحليب.
إذا لم تستح فقل ما شئت. هذا هو المثل الذي ينطبق على رئيس جمهورية الهذيان المصرّ على أن يصبح أضحوكة الدنيا بسبب هزالة الحصيلة التي حققها، وانعدام المنجز الذي يمكن أن يعطيه شرعية خوض الحملة الانتخابية برأس مرفوعة وبمشاريع ملموسة قابلة للتقييم والقياس من الناخبين. واليوم لا يجد هؤلاء الناخبون أنفسهم مجبرين على تحمل انعدام الإنجاز وهزالة الحصيلة فحسب، بل عليهم أيضا أن يتحملوا سخافة الرئيس وحماقاته التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد. وما دامت الحملة الانتخابية مستمرة فعلى الجزائريين المساكين أن يستعدوا لسماع المزيد من الترهات والنكات السمجة.