لماذا يصر الكابرانات على تمييع الحملة الانتخابية؟
الدار/ تحليل
من الواضح أن الحملة الانتخابية التي أطلقها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تكاد تكون الأكثر ميوعة وهزالة بل وفكاهة في تاريخ الانتخابات التي شهدتها البلاد منذ استقلالها. التصريحات السوريالية لا تنتهي، والمشاهد واللقاءات الهزلية لا تتوقف، والمشاركون في دعم ترشيح الرئيس من المنتخبين والمنتمين إلى الحزب الحاكم يمثلون شخصيات كوميدية بالأساس. ووسط هذا المشهد الكاريكاتوري على المواطن الجزائري أن يتابع ما يحدث، ويتخذ موقفا واضحا من المرشح الرئاسي الذي سيفضله، علما أن تقدم الحملة الانتخابية سيشهد بالضرورة ظهور وجوه أخرى لا تقل ميوعة وهزالة.
وإذا أردت أن تعرف من يقف وراء أيّ جريمة فعليك أن تفكر في المستفيد منها. يجد قادة العسكر أنفسهم مرتاحين تماما ومطمئنين في ظل هذا المستوى السياسي الهزيل الذي يشهده التحضير للانتخابات. لا يمكن أبدا أن يعترض الكابرانات على تصريحات تبون التي أعلن فيها مؤخرا على سبيل المثال أن اقتصاد الجزائر أصبح ثالث اقتصاد في العالم. لن يتدخلوا لتصحيح هذه التصريحات التي يقترفها المرشح الأساسي لأنهم يريدون فعلا قتل الحياة السياسية والحزبية في البلاد، ولا يريدون أبدا بروز أصوات العقلاء والأكفاء والقادرين فعلا على أخذ زمام الأمور بقدر معقول من العقلانية والحرية والإنصاف. عندما يكون قادة هذا النظام أنفسهم من حملة الشهادات الابتدائية في أحسن الأحوال فليس من مصلحتهم أبدا أن يظهر مرشحون يتفوقون على رئيس دمية مثل عبد المجيد تبون.
لذلك نرى أن هذه الانتخابات الرئاسية في الجزائر تشهد بين الفينة والأخرى ظهور مرشحين لا علاقة لهم لا بالعمل السياسي والحزبي ولا بتدبير الشأن العام، وكل ما عليهم فعله هو ملأ الساحة وعدم ترك الفراغ أمام ظهور مرشحين حقيقيين قادرين على كشف هزالة هذا النظام، وضعفه وعجزه عن الاستجابة إلى تطلعات الشعب ومطالبه وتلبية احتياجاته الأساسية والتركيز على أولوياته بدلا من المعارك الجانبية الفارغة. المستفيد الأكبر من تمييع الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وظهور كائنات سياسية غريبة من طينة عبد المجيد تبون هو الجيش الذي يبسط سطوته منذ عقود طويلة على البلاد، ويرفض تماما السماح لغير المحسوبين عليه بالظهور في الساحة والالتحام بالجماهير الجزائرية.
إذا كان رب البيت للدف ضاربا ++ فشيمة أهل البيت الرقص كما قال الشاعر. إذا كان قائد أركان الجيش اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة عسكريا ذا مستوىً تعليمي متواضع فمن المؤكد أنه سيدعم استمرار رئيس مثل عبد المجيد تبون، لأنه من الممكن السيطرة عليه بسهولة وتوجيهه نحو تنفيد الاستراتيجيات العامة التي تضعها قيادة الجيش. في الماضي كان الرؤساء الجزائريون يمتلكون خلفية حزبية واضحة إذ مرّ أغلبهم في هياكل حزب جبهة التحرير الوطني. وكانت آلية إفراز القيادة داخل الحزب تراعي على الرغم من منطق الاستبداد اختيار عنصر قادر على الأقل على تمثيل البلاد بمستوى محترم من اللباقة والتواصل والقدرة الإقناعية. شهدنا ذلك مع عبد العزيز بوتفليقة وليامين زروال والشادلي بن جديد. لكن منذ أن وصل السعيد شنقريحة إلى قيادة الجيش لم يعد من الممكن السماح لرئيس من هذا المستوى بالظهور في الساحة السياسية، لأنه قد يتحول إلى منافس لا يُؤمَن جانبه.
لذلك سيتعين على الناخب الجزائري المغلوب على أمره أن يختار من بين الأغبياء أقلهم غباء، ومن بين نماذج الرداءة والهبوط والهزالة أخف الضررين. وإذا كان البعض قد اعتبر أن تصريحات تبون الأخيرة التي وضعت الجزائر في مرتبة اليابان اقتصاديا تعد قمة في استغباء الناخبين الجزائريين، فإنهم متسرعون، لأن ما سيظهر على السطح خلال أوج الحملة الانتخابية الرسمية يمكن أن يفوق كل التوقعات ويتجاوز كل الاحتمالات، بعد أن أضحت الحياة السياسية والحزبية في الجزائر جثة هامدة تحت أحذية العسكر.