زلزال الحوز.. عام مضى على أكبر حملة تضامن في تاريخ المغرب
الدار/ تحليل
تحلّ غدا الذكرى الأولى لزلزال الحوز المدمر الذي ضرب مناطق عديدة من المملكة وأودى بحياة المئات وأدى إلى انهيار آلاف المباني في ليلة لن ينساها الشعب المغربي أبدا. ليلة الكارثة التي شعرت بها غالبية مناطق المغرب ذكرت أجيالا من المواطنين بكارثة زلزال أكادير بينما أظهرت ابتداء من اليوم الموالي المعدن الأصيل للشعب المغربي، بعد أن انطلقت حملات التضامن الواسعة وأبهرت الجميع بما وصلت إليه من مستويات التكافل والعطاء والتنظيم التلقائي. نذكر جميعا مشاهد قوافل الدعم التي ضمت مئات من الشاحنات التي تنقل المؤن والمواد الطبية والغذائية الأساسية. وبينما تواصل الحكومة الجهود المكثفة لإعادة إعمار المناطق المتضررة وتحقق أرقاما متقدمة في هذا المجال تعود صورة التضامن الوطني مجددا إلى الأنظار.
يوم 8 شتنبر ليس مجرد ذكرى لكارثة طبيعية مدمرة ضربت مناطق واسعة من الأطلس بدء من تارودانت وصولا إلى مراكش، بل هو مناسبة أيضا لاستحضار ذلك التماسك الاستثنائي الذي عبّر عنه الشعب المغربي بتنسيق مع السلطات العمومية ومختلف قطاعات المجتمع المدني. في ظرف أيام قليلة رأينا كيف تكاثفت الجهود وهبّ المواطنون في حملة شارك فيها بكثافة المؤثرون وصناع المحتوى الذي قدموا أيضا زخما إعلاميا وإنسانيا ودوليا كبيرا لهذه الحملة. والذي زاد الأثر البالغ في النفوس هو مشاركة الجميع دون استثناء، لقد تابعنا كيف تحوّل مواطن بسيط يركب دراجة في مدينة تزنيت ويتقدم ببطء لوضع كيس دقيق يمتلكه للتضامن مع المتضررين إلى أيقونة حقيقية بسبب تجسيده لأصالة المغاربة وصدقهم.
لقد شعرنا جميعا عند حدوث الزلزال برعب شديد وسكنت مشاعر الخوف في تلك الليلة قلوب الصغار والكبار، لكن مبادرات التضامن الشامل التي رأيناها سرعان ما بثت أحاسيس الدفء الإنساني والطمأنينة والشعور بالأمان في الأفئدة، وأعادت إلينا الثقة بالنفوس في وطن متكاثف يُظهر وحدته في المحن والكوارث. بعبارة أخرى لقد كان في طي محنة الزلزال منحة كبيرة عندما أعدنا جميعا اكتشاف رأسمالنا وثروتنا الوطنية الحقيقية التي لا تنضب، ثروة القيم المشتركة الراسخة التي جنّبتنا على مدار التاريخ الكثير من الأزمات والمحن على غرار ما حدث إبان الاستعمار وفي استكمال الوحدة الترابية ومواجهة جائحة كوفيد-19 وغيرها من الكوارث الطبيعية.
ولعل حملة جمع التبرعات التي واكبت هذه الكارثة والمساهمات المالية الكبيرة التي قدمتها المقاولات الوطنية ورجال الأعمال والفاعلون الاقتصاديون وأفراد المواطنين من شتى المجالات شكلت دليلا إضافيا على أن ما حدث خلال جائحة كوفيد-19 من تضامن وتنسيق وتعاون بين السلطات والشعب لم يكن حالة استثنائية، بل يمثل القاعدة المغربية التي لطالما ساعدت بلادنا على تجاوز المحن الكبرى. واليوم في ظل تواصل عمليات إعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة وإعادة إدماجها في الدورة الاقتصادية لم تتوقف أبدا حملات التضامن والمساندة الشعبية والمدنية. فقد استمرت دائما عمليات تقديم المساعدات للسكان المتضررين على الرغم من أن السلطات العمومية وفرت المآوي والتعويضات المالية لمرحلة ما بعد الكارثة.
لا يحق لنا إذاً أن نفخر بعد مرور سنة على هذه الكارثة بالتقدم المحرز على مستوى إعادة الإعمار والتأهيل فحسب، بل يجب أيضا أن نفخر بروح تمغربيت الأصيلة التي تتقد من حين إلى آخر، كلما عركت ظروف المحن هذا الوطن العزيز، ووضعت في طريقه بعض التحديات والصعوبات. ومن المؤكد أننا عشنا منذ جائحة كوفيد-19 تحديات كثيرة أظهرت لنا هذا الوجه الأصيل الذي يُشعرنا بالطمأنينة والثقة والأمل في مستقبل أفضل. ولم نر هذا الوجه في الضراء فحسب بل رأيناه في السراء أيضا عندما مثل أسود الأطلس إفريقيا أحسن تمثيل في كأس العالم 2022 بقطر.