متى تتوقف الجزائر عن توظيف ورقة الهجرة السرية في تهديد استقرار المنطقة؟
الدار/ تحليل
لم يتأخر بعض النشطاء الجزائريين في تأكيد تورط النظام العسكري في التحريض على عملية الهجرة الجماعية عبر سبتة المحتلة. وتتواتر الأدلة يوما بعد يوم على مسؤولية هذا النظام في التعبئة والتجييش والحشد لإثارة هذه الفتنة الأمنية على حدود مدينة سبتة المحتلة. ولعل توقيف السلطات الأمنية في بلادنا لعشرات المهاجرين السريين الجزائريين والتونسيين دليل آخر يؤكد أن الأمر لا يتعلق أبدا بعملية داخلية ومحلية بمبررات البطالة والفقر وغيرها من الأسباب الاجتماعية، وإنما بمؤامرة واضحة المعالم شاركت فيها أجهزة أمنية جزائرية على رأسها جهاز الأمن الخارجي. هذا ما أكده على سبيل المثال الناشط والحقوقي الجزائري وليد كبير الذي كشف ذلك في تدوينة له.
فقد ذكر المصدر المذكور أن جهاز الامن الخارجي الذي يترأسه الجنرال جبار مهنى متورط في السماح لعشرات الجزائريين والأجانب من جنسيات مختلفة بدخول المغرب براً وبطريقة غير قانونية، بغية الوصول إلى أقصى شماله والمشاركة في عملية الهجرة غير الشرعية نحو ثغر سبتة المحتلة. وقد ذكر الناشط الجزائري المعروف بمصادره الموثوقة أن مخابرات نظام العسكر قامت بتجنيد عملاء لإطلاق حملة تدعو إلى المشاركة في هذه العملية وتم اختيار تاريخ 15 شتنبر بإيعاز منها. ولإنجاح هذه المؤامرة
أمرت المخابرات أذرع النظام الإعلامية بتغطية مكثفة لما حدث في الفنيدق في “محاولة لتعويض خسائر النظام الدبلوماسية في ملف الصحراء عبر تشويه صورة المغرب وضرب العلاقات المغربية الإسبانية” على حد قول الناشط الجزائري.
وتؤكد هذه المعطيات الجديدة أن ما حدث يوم أمس بمحاذاة ثغر سبتة المحتلة لم يختلف كثيرا عمّا حدث في صيف 2022 بمحاذاة ثغر مليلية المحتلة، عندما تورط النظام الجزائري حينها في تحريض آلاف المهاجرين السريين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في تنظيم عملية اقتحام جماعي للحدود. أدت تلك العملية حينها إلى مقتل عدد من المهاجرين بسبب التدافع والسقوط من السياج الحديدي والجروح التي أصيبوا بها، لكن السلطات الجزائرية سرعان ما حاولت حينها تأليب الرأي العام الأوربي ضد المغرب، والتأثير في مستوى العلاقات بين الطرفين والثقة المتبادلة بينهما. لكن اتضحت بسرعة أبعاد هذه المؤامرة الجزائرية قبل أن تعود من جديد للظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد لاحظنا منذ أسابيع كيف تنامت هذه الدعوات تدريجيا للتغرير بأعداد كبيرة من القاصرين والشباب الراغبين في حلم الهجرة. لكن المشاركة العملية المكثفة لأعداد كبيرة من المهاجرين السريين الجزائريين والتونسيين والأفارقة تظهر أن الأمر يتعلق أساسا بعملية منسقة ومدبّرة، وفقا لترتيب محكم من الأجهزة الجزائرية المنزعجة تماما من استقرار العلاقات المغربية الأوربية عموما والعلاقات المغربية الإسبانية خصوصا، والتي لم تجد غير هذا الأسلوب الرخيص لمحاولة إثارة القلاقل والفوضى في منطقة من المناطق الحدودية الحساسة. فبلادنا تعيش على إيقاع حرب متواصلة مع أشكال الهجرة السرية منذ التسعينيات، لكنها لم تشهد من قبل مثل هذا النمط من موجات الهجرة إلا مؤخراً.
من المؤكد أن ما حدث يوم 15 شتنبر يجب أن يكون له ما بعده. وأول هذه التداعيات العاجلة هي التعامل بحزم مع موجات المهاجرين السريين المتسللين من الحدود الشرقية القادمين من التراب الجزائري، إذ من الضروري أن تتواص عمليات ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية دون هوادة. كما أن التعاطي مع هذا الواقع الأمني الصعب يجب أن يثير قلق الجيران الأوربيين ولا سيّما الإسبان، الذين يتابعون عن كثب الجهود الجبارة التي تبذلها السلطات المغربية لتطويق هذه الحملات المنسقة والتعامل معها بتعبئة بشرية وتقنية ومادية كبيرة. ومن ثمّ فإن دول الاتحاد الأوربي التي اعتادت أن تناقش مع المغرب باستمرار سبل مكافحة أشكال الهجرة السرية، مطالبة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بممارسة الضغوط السياسية اللازمة على الجزائر كي تُظهر تعاونا أكبر وتتوقف عن توظيف ورقة الهجرة السرية في حربها المتواصلة ضد استقرار المغرب ووحدته الترابية. لم يعد أبدا من المقبول أن يواصل الأوربيون مطالبة المغرب بأداء أدواره وتحمل مسؤولياته بينما يواجه حدودا شبه مفتوحة يعبر منها آلاف المهاجرين السريين القادمين من الجزائر وتونس ودول إفريقيا بتحريض وتشجيع من سلطات بلد قرر أن يتخلى عن مسؤولياته التي يفرضها القانون الدولي.