ماذا بعد اغتيال حسن نصر الله وتصفية قادة حزبه؟
الدار/ تحليل
بعد أن أقرّ حزب الله بمقتل أمينه العام حسن نصر الله في عملية قصف استهدفت مقرا للحزب في الضاحية الجنوبية ببيروت تبدو معادلة الحرب الدائرة في الشرق الأوسط في طريقها إلى المنعطف التاريخي والجذري. وبعد أن أخذت إسرائيل زمام المبادرة وكسرت جدار الخطوط الحمراء واغتالت قيادات الصف الأول في تنظيم حزب الله من الواضح أن الصراع الدائر مقبل على مرحلة مختلفة، قد تتسم بإعادة رسم قواعد الاشتباك ولعبة المواجهة بين إيران وإسرائيل جذريا. ومن الواضح أن الخطوة التي أقدم عليها الجيش الإسرائيلي لتصفية كبار القادة في الحزب، سبقها قرار استراتيجي وتكتيكي مدروس ينطوي على استعداد أكيد لتبعات الحرب الإقليمية المحتملة.
نجاح إسرائيل في اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله رسالة مباشرة إلى إيران تفوق من حيث قوتها وأثرها عملية اغتيال الأمين العام لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران. تمنح عملية تصفية قيادات حزب الله نصرا مرحليا لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي فشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة في قطاع غزة. بعبارة أخرى يبدو التفوق الكبير في الجبهة اللبنانية دون أيّ غزو بري نوعا من التعويض عن الخسارة الصريحة التي واجهها نتنياهو في قطاع غزة بعد قرابة عام كامل على طوفان الأقصى. ولعلّ هذا التمهيد باغتيال كبار القادة من عيار فؤاد شكر وإبراهيم عقيل ثم الأمين العام لحزب الله يمثل مجرد مقدمة لغزو بري محتمل قد ينفذه الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان. بعبارة أخرى لقد تغير سقف الأهداف الإسرائيلية بعد نجاح هذه العملية.
من نتائج هذا التحول الدرامي في أحداث حرب طوفان الأقصى إمكانية العودة إلى نقطة الصفر بمعنى احتفاظ إسرائيل مرة أخرى بحزام أمني فاصل بين الشمال وجنوب لبنان، وفرض الخيار نفسه في شمال قطاع غزة. لن يُضيع نتنياهو هذه الفرصة التي تشهد ارتباكا واضحا في تنظيم حزب الله، ولا سيّما في صفوف قيادته، ومن المنطقي أن يحاول تحقيق مكاسب أمنية وعسكرية ومن ثمّ سياسية على الصعيد الداخلي، وعلى ما يبدو لن تتوقف إسرائيل عند هذه المرحلة، بعد أن تمكنت بسهولة كبيرة من شلّ قدرات حزب الله خصوصا بعد عملية تفجير أجهزة بيجر، وستسعى دون شك إلى تغيير الواقع السياسي في لبنان وربّما العمل على حلّ الحزب وتفكيك بنيته التنظيمية والعسكرية.
يسعى بنيامين نتنياهو إلى تغيير جذري في خارطة الشرق الأوسط على غرار ما حدث في أعقاب هجوم 11 شتنبر في الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أن الفرصة المتاحة اليوم غير مسبوقة بعد أن حظي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بتغطية أميركية وغربية تامة، وفشل المنتظم الدولي في حشد الضغوط لفرض اتفاق لوقف إطلاق النار، علاوة على الانشقاق الواضح في الصف العربي بسبب ارتباط حركات المقاومة بالنظام الإيراني سواء في لبنان أو اليمن أو العراق أو سوريا. وتنضاف إلى ذلك مسألة التفوق الاستخباراتي الجليّ الذي تحققه إسرائيل بشكل يسمح لها بالحصول على معلومات ثمينة في لحظات دقيقة جدا.
في ظل هذه الظروف المواتية في منظور الحكومة الإسرائيلية يبدو أن غزو جنوب لبنان خيار أضحى قريبا لفرض أمر واقع جديد واحتياطات أمنية تتجاوز الهدف المعلن سابقا، والمتمثل في عودة سكان الشمال إلى منازلهم. تريد إسرائيل بعد هذه الانتصارات الكبيرة التي حققتها أن تغتنم هذه الفرصة لتقليم أظافر إيران في المنطقة، وتجريدها من أوراق الضغط التي تمتلكها. ومن المرجح أن يكون الهدف المقبل هو باقي أجنحة إيران على غرار أنصار الله في اليمن والتنظيمات الموالية في العراق. لكن السؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة في الوقت الراهن هو الدور الذي يمكن أن يلعبه النظام الإيراني، خصوصا بعد الوعود التي أطلقها بالرد دون تنفيذ.