توالي الهزائم الدبلوماسية يفتح الحداد في التلفزيون الجزائري
الدار/ تحليل
مهزلة حقيقية تلك التي نظمها التلفزيون العمومي الجزائري في نشرة الاخبار الرئيسية يوم أمس، عندما خصص ربع ساعة من وقت النشرة الذي لا يتعدى 40 دقيقة للتهجم على المغرب، وكَيْل مختلف التهم، وتوجيه كل أشكال القذف والسب التي لا تخرج فقط عن نطاق أخلاقيات المهنة، بل لا علاقة لها حتى بأخلاق القطط والكلاب. هل رأيتم من قبل التلفزة العمومية المغربية تخصص ولو 5 دقائق من وقتها لممارسة هذا النوع من الهذيان ضد الجزائر ونظامها ومؤسساتها؟ من المستحيل أن يحدث ذلك لأن الإعلام الرسمي في المغرب مقيّد بضوابط أخلاقيات المهنة، ويستطيع المشرفون عليه التمييز بين ما يليق وما لا يليق في عالم الإعلام.
لم يستطع الكابرانات تمالك أنفسهم بعد الخطاب الملكي أمام البرلمان الذي قدم فيه جلالة الملك محمد السادس حصيلة تاريخية غير مسبوقة، للجهود الدبلوماسية المبذولة في سياق تحصين الوحدة الترابية للمملكة، وتعزيز السيادة الوطنية عليها. ففقد المسؤولون الجزائريون صوابهم، هذا إن كان لديهم صواب من قبل، وأطلقوا العنان للتلفزيون العمومي الجزائري الذي يموَّل من جيوب الجزائريين البسطاء، لترويج دعايات كاذبة ومحاولة إخفاء الحقائق الساطعة، التي تؤكد أن فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول العظمى قد اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه، وهناك دول أخرى في طريقها إلى هذا الاعتراف، وأن ملف الصحراء قد انتقل كما قال جلالة الملك من التدبير إلى التغيير.
إنها حقيقة موجعة ومؤلمة للكابرانات، الذين بدلا من أن يراجعوا أوراقهم ويتأملوا استراتيجياتهم المعاكسة للوحدة الترابية للمملكة، يفضلون مرة أخرى نهج الأكاذيب والدعايات الزائفة، للحفاظ على قضية ولدت ميتة أصلا، ولم تعد تجد من يدافع عنها غير هذا التلفزيون القادم من زمن الحرب الباردة. هل من المعقول أن تخصص دولة تحترم نفسها والتزاماتها الدولية والقومية ويسيرها عقلاء القوم نشرة إخبارية كاملة للدعاية المغرضة ضد بلد جار فقط لأنه يتشبث بوحدته الترابية؟ هذا الإعلام الذي يذكرنا بزمن البروباغندا السوفياتية يتغاضى للأسف عن مقاربة قضايا الجزائريين ذات الأولوية مثل مشكلات الماء والغلاء وانهيار العملة المنهارة أصلا، وينفق الوقت الثمين في التدخل في شؤون بلد آخر.
لا يمكن أبدا أن ينغمس الإعلام الرسمي المغربي في مثل هذه الممارسات اللاأخلاقية. لكن من الممكن أن نرى هذا التلفزيون الجزائري يطلق العنان للتحريض والكراهية والحقد ضد المغرب، وضد إنجازاته ومشاريعه ورؤيته المستقبلية المختلفة إلى المنطقة والإقليم. ولكننا نتفهم أن ألم الصدمة التي يتعرض لها نظام الكابرانات أكثر من أن يُطاق بالنسبة لنظام استثمر كل ما يملك في مشروع انتهى بالفشل. لقد أنفقت الجزائر مليارات الدولارات على مدار عقود من الزمن، وأسست عقيدة عدائية كاملة واستراتيجية دبلوماسية شاملة، وكرست تقاليد وعادات راسخة في دعم الانفصال وتقسيم البلد الجار، ثم فشلت بعد كل هذا في تحقيق هدفها، فظلت الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه.
من الطبيعي أن تكون الهزيمة مؤلمة جدا، لكننا مع ذلك نطالب هذا النظام المأفون ببعض التروي والتعقل واستدراك ما فات، بل يمكن أن نذكرهم بأن الوقت لم يفت بعد، وأن إمكانية المصالحة مع الذات ما زالت ممكنة. على الأقل يمكنهم ذلك قبل فوات الأوان. لأن قضية الصحراء حسمت، ولم يعد للانفصال أيّ مستقبل في المنطقة. وأن الحل يكمن في أن يستعيد هذا النظام رشده ويعود إلى المراهنة على الأخوة المغاربية التي وحدها ستدوم. ونحن في المغرب، بحكم روح التسامح والإخاء التي رسختها قيادتنا العليا، نقول دائما إن الباب سيظل مفتوحا للتائبين والعائدين إلى صوابهم، لأن التباكي على اللبن المسكوب لا طائل منه، كما أن الرهان على الدعاية الإعلامية الرخيصة لن يؤدي إلّا إلى مزيد من العزلة والانفصال عن المحيط الإقليمي والدولي.