الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب: ثباتٌ أمام التحديات ودفعٌ نحو المستقبل
الدار/ تحليل
في خضم التوترات التي خلقها القرار الأخير لمحكمة العدل الأوربية، يظهر المغرب كحليف استراتيجي راسخ للاتحاد الأوربي، ما يبرز أهمية العلاقات الثنائية التي تربط الجانبين على كافة المستويات. لقد أعاد المجلس الأوروبي، خلال قمته الأخيرة في بروكسل، تأكيد “القيمة الكبيرة” التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته مع المغرب، مُعززاً بذلك رسالة سياسية واقتصادية قوية تفيد بأن هذه العلاقة تستند إلى مصالح متبادلة واستراتيجية طويلة الأمد.
لا تأتي هذه التصريحات بمحض الصدفة، إذ أنها تمثل الرد الرسمي الأوروبي الثالث على التوالي بعد قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير الذي أثار بعض التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الجانبين. إلا أن القيادات الأوروبية اختارت أن توجه رسائل سياسية واضحة تؤكد أن العلاقات مع المغرب تتجاوز العقبات العابرة.
إن تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، التي جاءت مباشرة بعد قرار المحكمة، تؤكد أن هذه العلاقة مبنية على مبدأ “العقود يجب أن تُحترم”، وهو ما يعني التزامًا عميقًا بالشراكة وتعزيزها بغض النظر عن التحديات القانونية أو السياسية التي قد تنشأ.
يُعتبر المغرب واحداً من أبرز الشركاء الاستراتيجيين للاتحاد الأوروبي في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا. هذه الشراكة تغطي مجالات متعددة تشمل الاقتصاد، الطاقة، الأمن، والهجرة، مما يجعل من التعاون بين الطرفين ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة. وتلعب الشراكة المغربية-الأوروبية دوراً محورياً في التصدي للتحديات المشتركة، بدءاً من مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وصولاً إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.
وليس غريباً أن يُعيد الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً تأكيد هذه العلاقة، خاصة في وقت تتزايد فيه التوترات الدولية وتتعقد فيه الملفات الجيوسياسية. من خلال هذه التصريحات المتتالية، يسعى الاتحاد إلى طمأنة المغرب بأنه سيظل شريكاً موثوقاً له، بما يعزز فرص التعاون المستقبلي ويزيد من قوة العلاقة الثنائية.
اقتصادياً، تعتبر الاتفاقيات التجارية التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي من بين الأكثر شمولاً على مستوى العلاقات الخارجية للاتحاد. كما أن الجوانب المتعلقة بالطاقة، خاصة الطاقات المتجددة، تلعب دوراً متزايد الأهمية، حيث يسعى الطرفان إلى تعزيز التعاون في مجالات مثل الطاقة الشمسية والرياح. من جهة أخرى، يتصدر المغرب الدول الأفريقية في مجال الاستثمارات الأوروبية، وهو ما يبرز مكانة المملكة كقطب اقتصادي وجسر بين أفريقيا وأوروبا.
أمنياً، يتعاون الطرفان بشكل وثيق في قضايا تتعلق بمكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية. وقد أسهم هذا التعاون في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، مما جعله ركيزة أساسية للعلاقة الاستراتيجية بين الطرفين.
بالنظر إلى الحاضر والمستقبل، يبدو أن الاتحاد الأوروبي والمغرب عازمان على مواصلة تعزيز علاقتهما الاستراتيجية، إذ أن التحديات الحالية لا تشكل سوى دافع إضافي لتعميق التعاون في مجالات جديدة مثل التحول الرقمي، التغير المناخي، والاستثمارات في البنية التحتية. ولعل التأكيد المتواصل من القيادات الأوروبية على “القيمة الكبيرة” لهذه الشراكة، يعكس رغبة قوية في الدفع بها نحو مستويات أعلى، مستندين على تاريخ طويل من التعاون المثمر والمصالح المشتركة.
يمكن القول إن الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي هي أكثر من مجرد اتفاقيات سياسية واقتصادية. إنها شراكة ذات أبعاد استراتيجية عميقة، تتجاوز العقبات العابرة وتسعى إلى بناء مستقبل مشترك أكثر استقراراً وأمناً وازدهاراً لكلا الجانبين.