عامان ونصف في الحضن الإفريقي..الحصيلة الدبلوماسية
الدار/ رشيد عفيف
بعد مرور حوالي سنتين ونصف على عودة المغرب للاتحاد الإفريقي لا تزال الدبلوماسية المغربية تواجه تحدي تضييق الخناق على الكيان الانفصالي في مختلف المحافل والهيئات والأجهزة الإفريقية. بل إن هذه العودة التاريخية للحضن الإفريقي في يناير 2017 زادت من حجم الرهانات التي يتعين على المغرب رفعها بتعاون مع الحلفاء الأفارقة أو في مواجهة بعض خصوم الوحدة الترابية. وبعد كل هذه الفترة يطرح اليوم سؤال حصيلة العودة إلى المنظمة الإفريقية التي غادرها المغرب في منتصف الثمانينيات احتجاجا على مؤامرة أديس أبابا التي منحت الكيان الصحراوي الوهمي العضوية وأحرجت بلدا يعتبر من المؤسسين لهذه الهيئة الإفريقية العريقة.
أول ما يمكن التوقف عنده في عرض حصيلة هذه العودة هو ملاحظة تلخصها عبارة "ما أشبه اليوم بالأمس". فمثلما خرج في 12 نونبر 1984 وهو يحتج على إقحام البوليساريو كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك عاد المغرب يوم أمس للاحتجاج على لسان وزيره في الشؤون الخارجية ناصر بوريطة على تواجد الكيان الانفصالي ضمن الموقعين على اتفاقية للتبادل الحر على صعيد القارة. وكانت عاصمة النيجر نيامي قد شهدت انعقاد أشغال القمة الإفريقية الاستثنائية الثانية عشرة لإطلاق المنطقة التجارية للتبادل الحر في إفريقيا، والتي ستنشأ أكبر سوق تجاري في العالم، تضم 1.2 مليار شخص، بناتج محلي إجمالي، يصل إلى 2.5 تريليون دولار. وتهدف الاتفاقية إلى إزالة الحواجز التجارية، وتعزيز التجارة بين دول القارة.
وعلى هامش هذا الاتفاق الاقتصادي الإفريقي إذاً لم يجد المغرب بداً من الهجوم بدل الانسحاب. وهذا يعني أن أهم منجز في حصيلة العودة إلى الاتحاد الإفريقي هو القطيعة النهائية مع سياسة المقعد الفارغ أو الانسحاب من المنتديات القارية وفسح المجال أمام مروجي الدعاية الانفصالية كالجزائر وجنوب إفريقيا. ويستشف من احتجاج وزير الخارجية أن هناك استراتيجية هجومية مختلفة تتمثل في محاولة الدفاع عن المصالح المغربية والوحدة الترابية من داخل المؤسسات الإفريقية لا من خارجها. كما أن هذا الدفاع أصبح من الواضح أنه يميز بين العلاقات الاقتصادية والتجارية للمغرب مع جيرانه الأفارقة وملف الوحدة الترابية بشكل لا يعيد الرباط إلى العزلة الاختيارية التي دامت لعقود.
ويتضح من خلال الحضور المغربي في منتديات القارة الإفريقية خلال السنتين المنصرمتين أن مواجهة الكيان الانفصالي وحلفائه أصبحت تتم داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي بشكل صريح ومباشر. وبدل الانسحاب أصبحت الدبلوماسية المغربية تميل إلى تسمية الأشياء بمسمياتها على مسامع أعضاء الاتحاد الإفريقي، وفي هذا السياق جاء تدخل ناصر بوريطة، في أشغال القمة الإفريقية الاستثنائية بالنيجر مستهدفا مباشرة للكيان الانفصالي وهو يتساءل "كيف يمكن لكيان بلا أرض أن يوقع على اتفاقية التبادل الحر؟ّ". وأوضح بوريطة أن "انضمام المغرب إلى منطقة التجارة الحرة بالقارة الإفريقية ”ZLECA” لا يمكن تفسيره على أنه اعتراف بوضع، أو حقيقة، أو كيان يهدد سلامته الإقليمية ووحدته الوطنية"، معتبرا أن المغرب التزم بشدة بإنشاء منطقة التجارة الحرة ولكن تصديقه، وتوقيعه على إنشائها لا يقبل تفسير إقراره بكيان يهدد أمنه، في إشارة لـ"البوليساريو".
ومن الواضح أن تغيير الخطاب الدبلوماسي نحو واقعية من هذا النظير يعتبر أهم حصيلة في تجربة العودة إلى الاتحاد الإفريقي. فرغم أن الحلفاء التقليديين الداعمين لأطروحة الانفصال لا يزالون يسعون بكل جد إلى تقويض الحضور الإفريقي المغربي ومعاكسة المصالح المغربية داخل المنظمات الإفريقية إلا أنه من الواضح أن هناك شراسة ملحوظة أخرجت العمل الدبلوماسي المتعلق بالوحدة الترابية من الانتظارية إلى المبادرة ومن رد الفعل إلى منطق الفعل. والظاهر أن هناك محاولة لتنزيل خطة دبلوماسية بدأت من اجتماع نيامي تهدف إلى تقويض الأسس القانونية والسياسية التي تم على أساسها قبول عضوية الكيان الانفصالي باعتباره لا يرقى إلى مستوى الكيان السياسي القانوني الذي يمكن أن يتمتع بحق العضوية، وفي هذا الإطار كان السؤال الذي طرحه بوريطة "كيف يمكن لكيان ليست له أرض أن ينتمي لمنطقة تجارة حرة؟". فهل تنجح الجهود الدبلوماسية داخل المنتظم الإفريقي في تجميد عضوية "البوليساريو" في الاتحاد الإفريقي مستقبلا؟