ما دلالات الضربات الإسرائيلية والإيرانية المنسقة؟
الدار/ تحليل
من الواضح أن الخاسر الأكبر منذ اندلاع طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 هم المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة. لقد قتل عشرات الآلاف، وأصيب مئات الآلاف بجروح وعاهات مستديمة، بينما نزحت أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم ظروفا مأساوية، ويتعرضون لحرب إبادة يومية، ولا سيّما في شمال القطاع. لم تنجح إسرائيل في القضاء على المقاومة ولم تتمكن من إسكات الصواريخ التي تنطلق من القطاع ولم تسترجع الأسرى الذين تحتفظ بهم الفصائل الفلسطينية. لكن الضرر الذي ألحقه العدوان الإسرائيلي بقطاع غزة هائل بل هو دمار تاريخي وغير مسبوق، بعد أن تحول القطاع إلى ركام فوق بعضه.
من المسؤول عن كل هذا؟ من المؤكد أن مسؤولية إسرائيل ثابتة بالقانون الدولي والوقائع اليومية والسوابق التاريخية. والأدلة التي توثقها المنظمات الحقوقية والإنسانية كل يوم تؤكد ذلك. بل إن جنود الاحتلال لم يترددوا هم أنفسهم في توثيق جرائمهم ضد الفلسطينيين بالصوت والصورة، وتداول ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ماذا عن مسؤولية إيران؟ مناط هذا السؤال ليس هو العلاقة المعروفة سلفا بين طهران وفصائل المقاومة ولا سيما في لبنان عبر حزب الله. بل هذا السؤال يفرض نفسه اليوم بعد الهجوم “الاستعراضي” والمثير للاستغراب، الذي نفذته إسرائيل ضد إيران ردا على هجوم إيراني سابق. لقد أكدت تقارير إعلامية عديدة أن المسؤولين الإسرائيليين أخبروا إيران مسبقا بالأماكن والمواقع التي سيستهدفونها.
فكرة الهجمات المنسقة سلفا طرحت نفسها بقوة خلال هذا الصراع الذي أكمل العام. في وقت سابق نفذت إيران هجمات صاروخية ضد إسرائيل، وأكدت العديد من المصادر حينها أن إيران أخبرت إسرائيل عبر وسطاء بالأماكن التي ستستهدفها خلال هذه العملية. ما الهدف من هذا السلوك العسكري غير المألوف؟ من الواضح أن الغاية من ذلك هي إلغاء عنصر المباغتة التي يمثل في منطق الحروب، عنصر التفوق المحتمل، بل يمكن أحيانا أن يكون هو العامل المباشر في تحقيق انتصار عسكري بيّن. من الأمثلة التاريخية المعروفة على ذلك، المباغتة التي استخدمتها إسرائيل في حرب 1967 ضد المطارات المصرية، وتمكنت بفضلها من القضاء على القوة الجوية للجيش المصري، وتمهيد عمليات اجتياح الجولان وسيناء وغيرها من الأراضي العربية التي احتلتها.
لكن عندما يزول عنصر المباغتة، يصبح الهجوم العسكري محكوما بأهداف أخرى مخفّفة وأقل تدميرا. الهدف هو تحقيق انتصار رمزي صغير، لإرضاء الجبهة الداخلية، وخلق شعور بالارتياح لدى المطالبين بالانتقام. وهذا ما فعله الجيش الإسرائيلي في الهجمات الأخيرة، حيث أطلع الإيرانيين من قبل على مواقع الهجوم، ومن ثمّ أسهم في تقليل الأضرار تجنّبا لرد مضاد، قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية أوسع. لكن من الواضح أن فكرة الهجمات المنسقة سلفا، ترتبط بقرار خارج عن إرادة إيران وإسرائيل. يبدو أن الإدارة الأميركية التي تمر بفترة انتقالية في الوقت الحالي، بعد اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لا تريد توريط المنطقة في حرب مفتوحة قد تُحسم لهذا الطرف أو ذاك، لأنها في حاجة إلى تخطيط مسبق وحشد كافٍ للموارد والقدرات قبل الدخول في رهان عسكري كبير كهذا.
بعبارة أوضح، إن غموض الرؤية بشأن مستقبل البيت الأبيض، يعطّل اليوم حسم هذا الصراع الإقليمي، ويؤجل الضربات العسكرية الحاسمة التي يمكن أن يسفر عنها. والضحية وراء هذا كله هو المدنيون الفلسطينيون واللبنانيون الذين يتعرّضون اليوم إلى إبادة إسرائيلية يومية. لكن الجانب المستفز في هذا الرد الإسرائيلي المحدود والمنسق ضد إيران أنه كشف أن طهران قادرة على حماية أراضيها، وتأمين مواطنيها ضد عمليات الإبادة أو القتل الممنهج، لكنها لا تستطيع فعل الشيء الكثير لحماية الفلسطينيين واللبنانيين، ولا سيّما بعد أن ورطتهم في هذه الحرب غير المتكافئة.