ماكرون في الرباط.. تدشين مرحلة جديدة من العلاقات المغربية الفرنسية
الدار/ تحليل
الزيارة التاريخية التي سيبدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب يوم الاثنين تمثل لحظة مفصلية في مسار العلاقات بين البلدين، باعتبار أنها تأتي مباشرة بعد إعلان فرنسا اعترافها الكامل بالسيادة المغربية على الصحراء، ودعمها لمشروع الحكم الذاتي كحل سياسي دائم وعادل وموضوعي. كما أنها تمثل تدشينا لمرحلة جديدة في هذه العلاقات، بعد شهور طويلة من الفتور بسبب بعض الخلافات المتعلقة بتدبير عمليات الهجرة والمصالح المشتركة، وأساسا بسبب تأخر السلطات الفرنسية عن مواكبة الدينامية الجديدة التي تشهدها قضية الوحدة الترابية للمملكة، منذ إعلان دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية اعترافها بالسيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية.
ويمكن أن نقول إن هذه الزيارة تمثل أيضا تفعيلا دبلوماسيا وسياسيا حقيقيا لمضامين هذا الاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية. وذلك يظهر جليا في أن اتفاقيات التعاون المشترك التي سيتم التوقيع عليها بين البلدين والمشاريع التي تشملها. من بين هذه المشاريع التي سيتم الإعلان عنها مشروع للربط الكهربائي باستغلال الطاقات الجديدة والبديلة من الأقاليم الجنوبية باتجاه أقاليم شمال المملكة. وتعوّل فرنسا على فسح المجال أمام مقاولاتها للإسهام في هذه الأوراش والمشاريع التي أطلقتها بلادنا في الصحراء المغربية. وعلى الرغم من أن الحديث عن افتتاح قنصلية بالأقاليم الجنوبية ما يزال خبرا قيد التحقق، فإنه يمثل في نظرنا الخطوة المقبلة التي يجب على فرنسا أن تخطوها دون تردد أو تأخير لتعزيز هذا الموقف الإيجابي الجديد.
تكمن أهمية هذه الزيارة أيضا في أنها تنهي الجدل حول إمكانية خضوع فرنسا لضغوط جزائرية من أجل التراجع عن موقفها الإيجابي، ومن ثمّ تجنّب الرئيس إيمانويل ماكرون زيارة المغرب، وتدشين مصالحة رسمية بعد أن ظلت فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية، ممزقة بين الارتباط التاريخي بالمستعمرة الجزائرية السابقة، وإرضاء مطالبها، وبين اغتنام الفرص الجديدة التي يمكن أن يتيحها التعاون مع المغرب. من المؤكد أن فرنسا لم تحِد في هذا السياق عن خط إسبانيا نفسها، التي فضلت هي أيضا العودة إلى الصواب، والحرص على تدشين مصالحة تاريخية مع بلادنا من خلال الاعتراف بسيادتها على الصحراء على الرغم من الابتزاز والضغوط التي حاول النظام الجزائري أن يمارسها، وعلى رأسها التهديد بورقة الغاز.
الأمر ذاته يتكرر اليوم مع فرنسا، ومع إيمانويل ماكرون بالتحديد، الذي لم يكن يدرك على ما يبدو، ولا سيّما خلال ولايته الرئاسية الأولى، أن المغرب بلد لا يقبل قسمة الولاء إليه على اثنين. ليس من المقبول أن ترغب فرنسا في الاستفادة من ثمار التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني مع بلادنا، وهي تركن في الوقت نفسه إلى مواقف جزائرية عدائية، تبث الكراهية والتحريض ضد المغرب، في بعض الأوساط السياسية بفرنسا. هذا أمر لم يعد مقبولا بتاتا وقد أكد المغرب ذلك منذ أن أعلن جلالة الملك محمد السادس أن قضية الوحدة الترابية هي المنظار الذي سيرى به المغرب علاقاته الخارجية. واليوم يجب أن يلتفت الطرفان نحو المستقبل. هناك آفاق تعاون واعدة على نطاق واسع لا يمكن تصوره.
المغرب اليوم بلد الفرص بامتياز، وقد أطلق أوراشا تنموية واجتماعية واقتصادية هائلة ستتواصل على مدار عقدين أو أكثر، كما أنه بصدد تعزيز بنياته التحتية في شتى المجالات استعدادا للمشاركة في استقبال فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2030. وعلاوة على ذك فإنه مصدر موثوق لمختلف مصادر الطاقة البديلة سواء الشمسية أو الريحية أو الهيدروجين الأخضر، وإذا أراد أيّ بلد أن يغتنم هذه الفرص ويشارك في تعزيزها وتنميتها، فمن غير المقبول أن يبقى مصرا على حالة النفاق وعدم الوضوح تّجاه سيادة بلادنا. زيارة إيمانويل ماكرون والمشاريع والاتفاقات التي ستعلن على هامشها، ستؤكد إذاً لدول الجوار أن بلدنا رقم وازن في مستقبل هذا الإقليم، وستقول كلمتها الفاصلة في مصيره وتحولاته المتوقعة.