كيف نمّى المغرب ثروة الاستقرار والانفتاح على المستقبل؟
الدار/تحليل
كل المؤشرات تدل على أن بلادنا تعيش منعطفا تاريخيا مهما، يمكن أن يصبح فيما بعد نقطة مرجعية لتوثيق التحوّلات الكبرى التي نعيش على إيقاعها. العنوان الكبير لهذه التحولات تثبيت أركان الاستقرار، وتغيير الوقائع على الأرض. يمكننا أن نلمس ذلك في مجالات حيوية عديدة. في ملف الوحدة الترابية يمكننا رصد هذا البعد التاريخي في التقدم الهائل الذي يشهده دعم السيادة المغربية على الصحراء دوليا وإقليميا. وعلى المستوى الأمني من الواضح أن تمكّن بلادنا من القضاء على كل أشكال ومظاهر العنف والإرهاب، واجتثاثها من جذورها دليل على تثبيت أسس هذه المرحلة. وعلى المستوى الاجتماعي من المؤكد أن تثبيت ركائز الدولة الاجتماعية أضحى نهجاً استراتيجياً لبلادنا. وعلى المستوى الاقتصادي نلاحظ كيف أصبحت السمعة الدولية لبلادنا علامة مسجلة.
نحن هنا نشير إلى 4 مجالات حيوية: المجال السيادي والأمني والاجتماعي والاقتصادي. لا داعي للخوض في أمثلة ومجالات أخرى يخترقها الخيط الناظم نفسه، مثل المجال الديني والثقافي. نحن مقبلون على الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين، ونعيش في أوج تحوّلات عالمية مزعزعة منذ عام 2019، الذي يذكّرنا بمنعطف جائحة كوفيد-19. والحكمة السياسية العليا لبلادنا اقتضت أن ننتقل إلى هذه الحقبة الجديدة على أسس راسخة، قوامها إجماع وطني وشعبي ورسمي على الثوابت والمسلمات، وانفتاح على الأمل في مستقبل أفضل. ولعلّ أبرز ملامح هذا التوجه المرسّخ للاستقرار والاستعداد الإيجابي للمرحلة القادمة، هو إقبال بلادنا باستمرار على التطلع إلى رهانات كبرى على الصعيد الدولي ومنها مثلا التقدم بترشيح استضافة كأس العالم 2030.
الرصيد الأساسي الذي يفخر به المغاربة جميعا اليوم هو هذا الاستقرار الذي لا تشوبه شائبة، ولا تعكر صفوه ريح عابرة. وهو بالمناسبة استقرار تشاركي، أسسته حكمة ملك متعلّق بوطنه وشعبه، وشعب وفيّ وواثق في إخلاص قائده. إذا تأملنا قليلا محيطنا الإقليمي خلال العقدين الأخيرين من الزمن، سنفهم أهمية ثروة الاستقرار. نعم إنه ثروة حقيقية في زمن الصراعات المسلحة والتطاحن الأهلي والحروب بالوكالة. ولعل ما تشهده أوربا والشرق الأوسط ومناطق عديدة في إفريقيا وآسيا، أكبر دليل على أن هذا الاستقرار أكبر مكسب حققته بلادنا، ونجحت في الحفاظ عليه على مدار عقود. ولعلّ هذه المرحلة الانتقالية التي يعيشها العالم ونتأثر بها أيضا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، هي التي تزيد من أهمية هذا الرصيد المهم للغاية.
نحن نعيش اليوم على أرض بلد موحّد من شماله إلى جنوبه، قادر على تحصين حدوده بحزم وصرامة، وتخلّص بفضل جهود جبارة من أيّ ضغائن أو أيديولوجيات متطرفة أو عدائية، واستطاع أن يشق طريق السلم الاجتماعي بإجراءات اجتماعية عديدة، بعضها في طريقه إلى التنفيذ في الوقت الحالي. كما خلق لنفسه إشعاعا اقتصاديا دوليا هائلا، سيحوله في المستقبل القريب إلى أحد أكبر بلدان العالم استقطابا للاستثمارات الأجنبية. يكفي أن نتذكر في هذا السياق الجاذبية الكبيرة للمغرب في منظور الشركات الصينية والأوربية، ولا سيّما في قطاع صناعة السيارات والطائرات، وأن نلاحظ أيضا هذا الزخم الهائل الذي يشهده قطاع السياحة بمستويات النمو الكبيرة التي يحققها سنويا.
يمكن أن نشبه هذه التحولات الإيجابية والتطورات الكبيرة بأنها ثمرة هذا النموّ الهائل في معنى الاستقرار ببلادنا. لقد تمكن المغرب على الرغم من كل المحن والتحديات، مثل جائحة كوفيد-19 وسنوات الجفاف المتعاقبة وزلزال الحوز المدمر، أن يؤكد أن هذه الثروة هي الباقية، وهي التي يمكن أن نعوّل عليها اليوم وغدا، لمواجهة التحديات التي يخفيها لنا القدر. لا نتحدث هنا عن مواجهة هذه التحديات بالاستسلام السلبي بل بالتعامل معها من منطلق استراتيجي بناء على مخططات مدروسة ومشاريع طموحة مثل تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، وتعزيز البنيات التحتية وبرامج التنمية الحضرية والجهوية، وتأهيل القوات المسلحة الملكية، وغيرها من ركائز الاستقرار التي لا تقدّر بثمن.