هل تعزز الوثائق التي ستفرج عنها فرنسا أدوار الدبلوماسية الموازية؟
الدار/تحليل
من أهم نتائج الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية أكتوبر المنصرم إلى المغرب، تعهُّد الرئيس الفرنسي بتسليم المغرب أكثر من 2.5 ملايين وثيقة سرية من الأرشيف الفرنسي، تتعلق بمرحلة الحماية. وهذه الخطوة تمثل مطلبا ملحا لطالما أصرت عليه السلطات المغربية في مناسبات سابقة. تزامن هذا التعهد مع الزيارة التي اتسمت بقرار تاريخي يتمثل في اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه، وهذا ما يؤكد أن هذه الوثائق لن تكتسي أهمية بالغة في تسليط الضوء أكثر على الفترة الاستعمارية بل ستكشف أيضا الكثير من الحقائق بشأن مسألتين هامتين: ترسيم الحدود الشرقية مع الجزائر، وافتعال النزاع في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
لا بد من الإشارة أولا إلى أن التزام الرئيس الفرنسي باتخاذ هذه الخطوة قبل نهاية ولايته يمثل قرارا يتماشى مع مقتضيات المرحلة الجديدة التي تعيشها العلاقات المغربية الفرنسية. وهي مرحلة تميزت خلال الزيارة الأخيرة بتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الوطيدة، التي تعدّ في حد ذاتها تقدما تاريخيا في تعزيز العلاقات بين البلدين، وكسر الحواجز التي كانت تعرقل هذا التقدم، وعلى رأسها طبعا التأخر الفرنسي في الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. بعد إزالة هذه العوائق أضحت مسألة الإسهام الفرنسي في حلّ هذا النزاع المفتعل مسألة حيوية جدا، ليس فقط بالاعتراف والتضامن مع الوحدة الترابية للمملكة، بل من خلال تقديم الأدلة التاريخية والوثائقية التي تؤكدها.
ولدى فرنسا طبعا الكثير من الحقائق والوقائع التي يمكن أن تقدمها في هذا المجال. فهي القوة الاستعمارية التي كانت وراء تأسيس دولة لم يكن لها وجود هي الجزائر. وهذه الدولة الجارة، هي التي كانت للأسف سببا في جلّ مشكلات المغرب الحدودية والترابية، سواء فيما يتعلق باجتزاء الأراضي والمساحات الشاسعة في الحدود الشرقية، وعلى رأسها طبعا الصحراء الشرقية. أو فيما يخص اختلاق وهم الانفصال في الأقاليم الجنوبية وتأسيس منظمة انفصالية وتسليحها والدفاع عنها. نحن نتحدث عن بلد حصل على استقلاله سنة 1962 ولم يتأخر الأمر سوى عقد من الزمن حتى بدأت مؤامراته لافتعال النزاع الوهمي في الصحراء، وهذا يعني أن الوثائق الفرنسية التي سيتم الكشف عنها من المرجح أن تؤكد بما لا يدع مجالا للشك دور القيادة الجزائرية في افتعال هذه الأزمة واستدامتها على مدار عقود طويلة.
نحن هنا، لا نقصد أن الوثائق الفرنسية تمثل دليلا نحتاج إليه، فنحن متيقنون بل مؤمنون إيمانا راسخا بوحدتنا الترابية، وبأن الأقاليم الجنوبية جزء لا يتجزأ من تراب هذا الوطن العزيز، لكننا نعتقد أيضا أن هناك ترافعا تأْريخياً يجب أن يؤدي دوره في مسلسل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة. لقد دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية إلى تفعيل أدوار الدبلوماسية البرلمانية والموازية، ولعلّ هذا الكمّ الهائل من الوثائق التي ستسلمها فرنسا للمغرب، قد يمثل زاداً من الحجج والبراهين والوقائع التي يمكن أن يستند إليها المترافعون عن مغربية الصحراء من شتى المؤسسات والمواقع الأكاديمية أو العلمية أو المدنية.
فالحقائق التاريخية أدلة لا يمكن أبدا الطعن أو التشكيك فيها. في الوقت الحالي تمتلك بلادنا الكثير من الأدلة التاريخية كتلك التي قدمتها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي وأفضت إلى قرارها المعروف الذي أثبت وجود صلات تاريخية بين قبائل الصحراء والملوك العلويين من خلال رباط البيعة، وهي أدلة تغطي المرحلة السابقة على الحماية، لكن ما يمكن أن تقدمه السلطات الفرنسية من أرشيف يغطي المرحلة الممتدة من بداية القرن العشرين حتّى سنوات الستينيات، وربّما سنوات السبعينيات، قد يكشف للمغرر بهم أو الحاقدين أو خصوم الوحدة الترابية أن التاريخ ينصف دائما أهله.