أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

حكومة أخنوش تواكب مطالب المغاربة وتفتح حوارا مع تيك توك

الدار/ تحليل

الخطوة التي أقدمت عليها حكومة عزيز أخنوش بفتح حوار مع موقع التواصل الاجتماعي تيك توك حول إدماج المعايير الثقافية المغربية تعد قرارا جريئا وشجاعا في السياق الحالي. من المعروف أن هذا الموقع يشهد انتشارا واسعا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في بلادنا، وكثيرا ما تثير طبيعة المحتوى المتداول فيه الكثير من الجدل والنقاش الأخلاقي والثقافي والاجتماعي، وتشهد تزايد المطالب بضرورة محاولة تهذيبه وتنقيته من الشوائب المتعارضة في كثير من الأحيان مع منظومة قيمنا المغربية الأصيلة. وفي هذا السياق فإن اللقاء الذي جمع مؤخراً بين وزير الشباب والثقافة محمد المهدي بنسعيد ومدير السياسات العامة بمكتب تيك توك لمنطقة الشرق الأوسط وائل عزت يعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح.
تكمن أهمية هذه الخطوة أولاً في كونها استجابة إيجابية من الحكومة للمطالب الشعبية المتزايدة، ولا سيّما تلك التي يرفعها أرباب الأسر من آباء وأمهات لحماية المراهقين والأطفال. وثانيا لأنها يمكن أن تؤسّس لعلاقة جديدة بين هذا التطبيق العالمي والثقافة المغربية التي تواجه تحديات غزو العولمة، وانصهار الأجيال الجديدة والصاعدة في بوتقة التأثيرات الخارجية الوافدة من العالم الافتراضي. وثالثا لأن هذه الاستجابة تظهر أيضا أهمية التركيز على المطالب الثقافية، بعيدا عن المطالب الاجتماعية والمعيشية التي يعتقد البعض أنها تستأثر بالاهتمام الحكومي أو الشعبي. فالمغاربة لا يرغبون فقط في مكافحة التضخم وغلاء الأسعار وتلبية مطالب التشغيل والتنمية بل يريدون أيضا تحصين ثقافتهم ومنظومة قيمهم الجماعية من هذه الانحرافات التي يولّدها الاستخدام غير المعقلن لهذه الشبكات.
والخبر السار هو أن تيك توك يمكن أن يفتح قريبا مكتبا يمثل هذه المنصة في المغرب بحسب وزير الثقافة، وهذا ما يمكن أن يسهّل عملية الحوار في أفق استيعاب ثقافة المغاربة وقيمهم. وما يثلج الصدر أيضا في إقدام حكومة عزيز أخنوش على هذه الخطوة هو أنها تنطوي على وعي متقدم بأهمية الحفاظ على مقتضيات حرية التعبير التي يضمنها الدستور المغربي. بعبارة أوضح، من السهل على بعض الحكومات أن تُقدم على اتخاذ قرارات الحظر سواء النهائي أو الانتقائي لمحتويات هذا التطبيق أو غيره، لكن هذا الأمر قد تكون له نتائج عكسية بالنظر إلى أنه يمثل من جهة أخرى انتهاكا لحقوق الأفراد في ممارسة حرياتهم بشتى أشكالها وتجلياتها.
من حقّ المستخدمين أن يستخدموا تطبيق تيك توك أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ومن حقهم ممارسة حرياتهم في التعبير والإبداع والتواصل والنشر، لكن من جهة أخرى من الضروري أيضا أن تعمل الحكومة في شخص وزير الثقافة على تعزيز البعد القيمي الذي يطالب به الجميع. فحرية التعبير التي ندافع عنها ونريد الحفاظ عليها لا تعني بالضرورة ترويج محتوىً مخلّ بالحياء العام أو محرّض على استغلال القاصرين والأطفال، أو هادم للقواعد الأخلاقية التي تَواضَع عليها المغاربة عبر قرون من الحضارة والتاريخ. والمهم في هذا الإطار أن إقدام الحكومة على فتح هذا الحوار بصفة رسمية مع تطبيق تيك توك يمثل أيضا إشارة قوية إلى الأسر وأولياء الأمور من أجل تحمّل كامل مسؤولياتهم الأخلاقية والتربوية في تأطير المستخدمين القاصرين وغير المؤهّلين قانونيا لذلك.
وإذا كانت الحكومة تفكر جديا في وضع قيود تنظيمية على الاستخدام العشوائي والمضر لتطبيق تيك توك، فمن الضروري أن يحظى ذلك بالتشجيع الكافي من كافة الفرقاء الحزبيين ومكونات المشهد السياسي والمدني والثقافي في بلادنا، بل هناك حاجة ماسة لمواكبة هذه المبادرة من خلال فتح حوار عمومي يشارك فيه الجميع، لبلورة هذا التصور الجماعي الذي ينبغي للحكومة أن تدافع عنه سواء أمام العملاق التكنولوجي الصيني، أو في حوارات مماثلة مع شركات تكنولوجية أخرى، مختصة في التواصل الاجتماعي ونشر المحتوى المتنوع. لكن أيّاً كان مضمون هذا الحوار فإنه يمثل إنجازا مهما ينضاف إلى سجلّ إنجازات الحكومة الحالية.

زر الذهاب إلى الأعلى