هل بدأت عملية تغيير معالم الشرق الأوسط باستئناف الحرب بين المعارضة والنظام السوري؟
الدار/ تحليل
التوقيت الذي انطلقت فيه فصائل المعارضة السورية لاجتياح مدينة حلب، وطرد قوات النظام السوري لا يمكن عزله أبدا عن السياق العام الذي تعرفه المنطقة. جاءت هذه العملية المتواصلة مباشرة بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ، وفي ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، والمواجهة غير المباشرة بين إيران وإسرائيل. لقد سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن أشار في خضم المواجهة المباشرة مع إيران، أن إسرائيل ستعمل بمساعدة من حلفائها على تغيير معالم الشرق الأوسط، وهو يشير من خلال ذلك إلى تقزيم دور إيران وتقليم أظافرها.
انتهت المرحلة الأولى من هذه العملية بتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله، الذراع العسكرية القوية لإيران في المنطقة، وفرض اتفاق لوقف إطلاق النار يلتزم من خلاله الحزب بالتراجع عن جنوب لبنان إلى ما وراء نهر الليطاني، مع احتفاظ إسرائيل بحق توجيه الضربات لأيّ تحركات أو أنشطة عسكرية يجريها حزب الله في المنطقة. لكن من المؤكد أن انطلاق فصائل المعارضة السورية في هجومها المباغت واسترجاعها لمدينة حلب الاستراتيجية، التي تعد بمثابة العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومواصلة هجومها باتجاه مدينة حماة التي لا تبعد كثيرا عن العاصمة السورية دمشق، جزء لا يتجزأ من هذا المسعى إلى تحجيم دور إيران، وحرمانها من أذرعها العسكرية في دول الطوق.
هناك ارتباط وثيق على ما يبدو بين عمليات المعارضة السورية ورغبة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في حرمان حزب الله أيضا من استرجاع قوته العسكرية، وقطع خطوط الإمداد، التي كان جزء كبير منها يأتي من سوريا. وانشغال النظام السوري اليوم بصد هجوم المعارضة المدعومة من تركيا أيضا، لن يتيح له هذه الفرصة وسيربك أيضا أوراق إيران التي أضحت مضطرة إلى متابعة جبهات عديدة مفتوحة في الوقت نفسه. ولعل بدء فصائل المعارضة السورية عملية اجتياح حلب بقتل الجنرال كيومرث بورهاشمي، رجل إيران الأول في سوريا، يمثل إشارة قوية إلى أن هذه العملية لا تنفصل عن هذه الاستراتيجية الشاملة الهادفة إلى عزل إيران.
وقد لا يخرج ما يحدث في الوقت الحالي عن نطاق صفقة غير معلنة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بالنظر إلى أن موسكو لم تُظهر حتّى الآن أيّ رد فعل عسكري ضد فصائل المعارضة التي تتقدم نحو حماة. لقد كان لروسيا دور كبير في حسم المعركة سنة 2014 عندما اقتربت فصائل المعارضة من العاصمة السورية، ثم تمكن جيش النظام السوري من صد الهجوم بمساعدة روسية ودفع كل فصائل المعارضة نحو الشمال على الحدود التركية، ثم الدخول في مسلسل الأستانة التفاوضي والوصول إلى اتفاق للحفاظ على المواقع كما هي. صمْت روسيا على ما يحدث إلى حدود الساعة على الرغم من احتفاظها بقوات وازنة في قاعدتيها الرئيسيتين بسوريا يمكن أن يعود إلى توافق دولي غير معلن للتخلص من النظام السوري وفرض واقع جديد.
فروسيا المتورطة في مستنقع أوكرانيا لا يمكن أن تخرج على العموم عن نطاق التوافق الهادف إلى إحداث هذا الواقع الجديد، إذا كانت قد حصلت على ضمانات من الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب. والضمانات المقصودة هنا هي حسم الحرب في أوكرانيا على نحو يحفظ ماء وجه موسكو، وربّما الاستجابة إلى مطلبها الرئيس بعدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف الناتو. الوضع معقد للغاية في سوريا بالنظر إلى تقاطع وتعارض مصالح العديد من الدول بدءً بتركيا وإسرائيل مروراً بالولايات المتحدة وروسيا وصولاً إلى إيران. لكن المؤكد أن ما يحدث يمثل زلزالا حقيقيا سيكون له ما بعده.