أخبار الدارسلايدر

كيف يمكن للمغرب إدارة علاقاته مع موريتانيا في المستقبل؟

الدار/ تحليل

في إحدى أقواله الحكيمة التي ما تزال تلهم الكثيرين في فهم العلاقات الدولية، قال الملك الحسن الثاني: “إذا رأيت صديقك مع عدوك، فاعلم أن الاثنين أعداؤك، أحدهما سرا والآخر جهرا”. هذه المقولة تحمل في طياتها حكمة عميقة، قد تنطبق بشكل خاص على العلاقة بين المغرب وجارته موريتانيا، التي تمثل في العديد من جوانبها حالة معقدة تتطلب من المملكة المغربية التعامل معها بحذر شديد.

تعتبر موريتانيا جارة غير تقليدية للمغرب. فبالرغم من القواسم المشتركة بين البلدين على المستويات الجغرافية والثقافية، إلا أن علاقاتهما شهدت العديد من المنعطفات التي جعلتها أقل وضوحاً مقارنة ببقية الجيران. في قلب هذه العلاقة، تبرز قضية الصحراء المغربية التي أثرت بشكل كبير على التفاعل بين البلدين منذ السبعينات. ففي وقت كانت فيه المملكة المغربية تسعى بشكل حاسم لضم الصحراء إلى أراضيها، كانت موريتانيا تتبنى موقفاً أكثر حيادية في البداية، مما أضاف تعقيداً آخر للعلاقة بين الجارين.

ومع بداية النزاع حول الصحراء، كان الموقف الموريتاني متأرجحاً بين تحالفات متناقضة مع جبهة البوليساريو والجزائر من جهة، وبين محاولات للحفاظ على علاقة جيدة مع المغرب من جهة أخرى. ورغم انسحاب موريتانيا من الصراع المسلح في الصحراء عام 1979، فإن موقفها لم يتسم بالوضوح التام لصالح المغرب، وهو ما ساهم في خلق جو من عدم الثقة بين البلدين.

على الرغم من تاريخ العلاقات السياسية المعقد، فإن هناك مجالاً للتعاون بين المغرب وموريتانيا، لاسيما في مجالات التجارة والاقتصاد. في السنوات الأخيرة، بدأت العلاقات الاقتصادية بين البلدين في التحسن بشكل ملحوظ، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والتجارة عبر الحدود.

لكن، لا يمكن النظر إلى هذه العلاقات الاقتصادية بمعزل عن التوترات السياسية التي قد تظهر بين الحين والآخر، مما يجعل من الضروري أن يتعامل المغرب مع هذه الملفات بحذر ودراية.

ومع الاكتشافات الجديدة للموارد الطبيعية في موريتانيا، بما في ذلك الغاز والنفط في مياهها الإقليمية، أصبحت العلاقات الاقتصادية بين البلدين أكثر أهمية من أي وقت مضى. إلا أن موريتانيا، التي تسعى للحفاظ على استقلالية في سياستها الخارجية، قد تجد نفسها في موقف صعب في حال تزايد الضغوط عليها لتحديد موقفها بشكل أكثر وضوحاً، خاصة في القضايا التي تتعلق بمصالح المغرب الإستراتيجية.

في ظل هذه الخلفية المعقدة، يصبح التساؤل الأهم هو كيف يمكن للمغرب إدارة علاقاته مع موريتانيا في المستقبل؟ هل يمكن أن تعتمد المملكة على تعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع هذا الجار الغامض، أم أن الحذر هو الخيار الأفضل للحفاظ على مصالحها؟

تستدعي الإجابة عن هذا السؤال أن يبقى المغرب حريصاً على إدارة العلاقة مع موريتانيا بحذر. ففي حين أن التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي أمر مرغوب فيه، يجب على المغرب أن يتجنب المبالغة في التفاؤل بشأن إمكانية بناء تحالف قوي وراسخ في ظل تاريخ من التوترات السياسية. من ناحية أخرى، تبقى موريتانيا دولة ذات طموحات خاصة، قد تخلق فرصاً جديدة للمغرب إذا تم التعامل معها بذكاء.

موريتانيا، رغم قربها الجغرافي والتاريخي من المغرب، تظل جارة غير سهلة في التعامل. وعليه، يتطلب الأمر من المملكة المغربية الحفاظ على توازن دقيق في سياساتها تجاه موريتانيا، سواء في المجال الاقتصادي أو الدبلوماسي. تماماً كما قال الحسن الثاني، الحذر والتروي في التعامل مع هذا الجار قد يكون الطريق الأمثل لضمان مصالح المغرب في منطقة مليئة بالتحديات والتقلبات.

زر الذهاب إلى الأعلى